الخميس، 29 ديسمبر 2016

علامة ترقيم في الإستراتيجية السياسية الراهنة
د. وائل أحمد خليل  الكردي   د. وائل أحمد خليل
wailahkhkordi@gmail.com                           
إن النجاح في لعبة الشطرنج   يعتمد أكثر الشيء أولا - على اتخاذ خانت إستراتيجية على الرقعة .. بمعنى التمركز والسيطرة على المواقع التي تمثل نقاط استشراف عام على الرقعة  وتيسر الوصول إلى الهدف بأسرع واقصر السبل .. وثانياً – على التوزيع المناسب والمتكامل للقطع على هذه الأماكن الإستراتيجية على الرقعة بحسب أدوارها الوظيفية .. وثالثاً – على بذل شيء من التضحية الضرورية ببعض القطع المهمة من أجل فتح الطريق وكشف مواطن الثغرات لدى قوات العدو مما ييسر استغلالها ثم النفاذ منها ..
وليس الرقعة الطبيعية في المعارك الحقيقية على اختلاف كثير مما هو الوضع على رقعة الشطرنج .. فذات المبادئ الإستراتيجية التي يمكن أن ترجح فرصة النصر على رقعة الشطرنج هي بذاتها – على نحو ما – تتمثل في الواقع الحقيقي ..

 فبغض النظر عن الدوافع الحزبية القريبة داخل وحول السودان وراء ما يجري من أحداث وتأويلات ذلك  ..  فان الأمر يبدو على المستوى الاستراتيجي العام والمتقدم للمنطقة كلها انه يسير في اتجاه صحيح..  واقصد بذلك القوة الضاربة الجديدة ليس على المستوى العسكري فحسب وإنما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وهي قوة تحالف المثلث الكبير السعودية وتركيا والسودان (وإن لم يكن بتعاقد رسمي مباشر ومعلن إلا جزئياً) ..  هذا التحالف يشكل مركز القلب جغرافيا وبشريا واقتصاديا في المنطقة والذي سيجعل من السهولة السيطرة والتحكم حتى في التوجهات السياسية للدول الكبرى ومجلس الأمن..  
لا ينبغي أن نضيق نظرتنا للأمور في حدود المشكلات الداخلية المتفرقة مثل الفساد والتمرد والمعارضة وما نحو ذلك..  فربما أصبحت  تلك من الأمور التابعة للازمة الإستراتيجية الشاملة للعالم واجتهادات السبق نحو احتلال خانات سياسية دولية تقود دفة دول المنطقة إلى موازين قوى دولية جديدة ، ولا يجدي قطع الذنب والرأس حي..  ثم لا يجب أن ننسى ضلع رابع لهذا التحالف المثلث على درجة عالية من الخطورة  ولا يظهر لكثير من الناس ولكنه حاضر بقوة في مشروع التمكين للسيادة الجديدة للكتلة الأفريقية الأسيوية في كفة الميزان الدولي للصراع..  هذا الضلع هو الصين..  والتي ظهر دورها الخطير ليس كما هو في السابق على المستوى الاقتصادي كما اعتدنا أن نراها دائما..  وإنما على المستوى السياسي داخليا وخارجيا - منذ مقتل (جون قرانق) بيد من هذه الصين - والى الآن..  وعلى هذا الأساس حتى فصل الجنوب ينبغي إعادة النظر إليه بصورة أخرى..  فما تكشف عنه الأحداث الراهنة أن الجنوب كان يؤكل في الماضي كوجبة غير ناضجة السواء سياسيا وعسكرياً من جملة الوجبة العامة للقصعة السودانية  بتداعي أكلة الدول الكبرى إليها ..  والآن أيضا يعاد طهيه كوجبة ولكنها هذه المرة ناضجة وببهارات مختلفة ولكي يبدو الأمر كسب وضم لأراضي جديدة على الرقعة الجغرافية الإستراتيجية للسودان حتى لو بدا في الظاهر أنها منفصلة سياسيا واجتماعيا فهذا سيكون أقوى لمصلحة التحالف الثلاثي ذا الضلع الرابع من أن تكون السودان والجنوب دولة واحدة كما في السابق..  
ينبغي أن لا ننشغل بمشكلة المعايش اليومية ونعظم من شانها كهم أوحد للمواطن في بلادنا ونغفل الايدولوجيا  الجديدة في التخطيط الشامل للمنطقة والعالم   والتي من قد تتطلب نوعاً من التحقيق للمبدأ الثالث في لعبة الشطرنج .. ولكن بما لا يخل مطلقاً بحرمة دم الإنسان ، وبما لا يخترق حدود الله في بسط السياسة الشرعية .. تلك هي الموازنة الصعبة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق