نصل
(أوكام) ..
وأعد كم أكذوبة عني يقول الواهمون ..
د. وائل أحمد خليل الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
لقد اتخذ عقل أوروبا
الفلسفي في أخريات القرن التاسع عشر ومطلع
القرن العشرين من مبدأ الراهب الانجليزي (أوكام) W. Occam القائل
(لا ينبغي أن نكثر من الكائنات في العالم بغير ضرورة) نصلاً حاداً لقص وبتر كل ما
يعد وجوداً افتراضياً فقط في عقولنا ولا حقيقة فعلية له في العالم الواقعي ..فكل
ما لا يمكننا أن نتوجه إليه بالإشارة في الأشياء من حولنا عندما نتحدث عنه في
سياقات كلامنا فلابد أن نصمت بصدده ، وأن لا نفترض أصلاً وجود ما لا وجود له ..
وأن لا حقيقة لما لا عيان له .. عرف هذا بقاعدة (نصل أوكام) في أدبيات الفكر
الأوروبي المعاصر .. أما نحن فإن في حضارتنا (غير الأوروبية) ما ليس يجعلنا نتخذ
من هذا المبدأ أسوة ولا صنيعة .. فلدينا ما هو ذا قيمة في حديثنا وإن لم يمكننا
الإشارة إليه من حولنا .. (إذ ليس كل الوجود أشياء وأعيان) ولكن فقط لنا أن نستلهم
المنهج دون التطبيق .. فإن قالوا هم (لا ينبغي أن نكثر من الكائنات في العالم بغير
ضرورة) .. قلنا نحن (لا ينبغي أن نكثر من المشكلات في مجتمعاتنا بغير ضرورة) ..
ولعل دافع القول في هذا أن كثير من مشكلاتنا قد تكون بنحو أشجار قائمة على سطح
الأرض تطاول بأفرعها عنان السماء ، ولكنها ليست بذات بذور وجذور تحتها كما الأشجار
.. أم أنها كجبال شاهقات أمام ناظرينا وهي ليست راسيات بذي أوتاد تضرب في الأرض
أغوراً سحيقة كما الجبال .. تلك هي المشكلات الزائفة .. ضرب من كلام وألفاظ في غير
مواضعها ، وتأليف أفكار ليست بذي ائتلاف .. حتى صدق من قال أن أكثر مشكلاتنا
صراعات عقلية نشأت عن سؤ فهمنا لمنطق كلامنا وعن سحر عقولنا بأحجيات وخطب .. لقد
شغلنا أنفسنا وأقساماً من أوقاتنا بأسئلة ذات إجابات مفتوحة لا تنتهي إلا جدلاً
(وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) وننسى بذلك أن نضرب عمق الهدف في مقتله بأن نسلم
بمنطوق النصوص الوصفية والآمرة في ديننا ونذهب منها للعمل والفعل المنتج والمؤثر ..
فعندما نسأل مثلاً عن (جبر واختيار) ألا يكفينا الحاجة لهذا السؤال أنه لن يسد رمق
من يطارد أرجل المارة في الطرقات وأعينهم تكففاً لما يغنيه لقمة العيش الآن وتواً
، ولا يعنيه فيها ما سيكون عليه حاله في اللحظة التالية ..كما أن هذا السؤال أيضاً
لن يغني أولئك الذين لا توقد في بيوتهم ناراً ، وفي الخارج تجلد الشمس ظهر الأرض
بسياطها وتئن هل من زارع وهل من ناسج وهل من مستثمر في طاقة بلا وقود .. (إن
الجائع لن يتوقف ليسأل هل أنا حر أم مسير .. بل سيتخذ الأسباب سعياً وكفاحاً دون
تفكير إلا فيها للحصول على لقمة تبقي أوده قائماً .. وهكذا دوماً هو صاحب الحاجة)
..
ثم مثلاً إلى ذلك
الذي يسأل .. (هل بعد الموت نحيا أجساداً أم أرواحاً ، أم كلاهما معاً وما المعذٌب
أو المنعٌم منهما.. وكيف نكون آنذاك
إنساناً بغير ما كنا عليه في دنيانا) .. وينسى صاحب السؤال أن الموت لا
يعانيه إلا من مات وسبق عليه الكتاب، فلا يعود ليخبرنا كيف بأحوال القبور وأهلها
.. إن الموت هو المعاناة الوجودية الوحيدة التي لا يدخل معك فيها إنسان آخر ولن
تناله إلا تجربة ً .. فرداً .. وحيداً .. وإن هذه الأحوال محلها فحسب هو الإيمان
بأن الله هو الحق وأنه على كل شيء قدير وأنه يبعث من في القبور .. ولا يصلح في شأنها الجدل وبناء أفكار ومذاهب
تتضاد أو تتناقض فيما بينها ، ثم يقوم من يفتي فيها بغير علم ولا هدىً ولا كتاب
منير ..
والقياس على منوال
تلك الأسئلة كثير مما كان مداره التسليم ولا يعني العقل الإجابة عنها في شيء ، وأن
الجدل فيها يضيع العمل ويضل السبيل ، ثم لا يزال الجدل لا ينتهي .. ولنعد كم
أكذوبة بعدها سيقولون ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق