ماسون
السودان ..
د. وائل أحمد خليل الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
منذ أخريات العام
1969م ظل الرئيس (جعفر نميري) رحمه الله ، يغلق المحافل الماسونية التي وسع
انتشارها في مدن السودان الكبرى الخرطوم وعطبره
ومدني وبورتسودان .. ولعل ما أرشده إلى هذا الفعل عن وعي وإدراك بين ، هو
الدور المهم جداً الذي لعبته مقالات الأستاذ (خضر حمد) رحمه الله ، والتي جمعت هي
والمقالات المعقبة عليها من آخرين ثم نشرها في كتابه (هذه هي الماسونية) الصادر
بالخرطوم في مايو 1969م .. وكيف أن هذا الكتاب حوى على صغره دسماً كثيراً عن حقيقة
الماسونية وخطورتها البالغة .. كل هذا في زمان كانت فيه الصحافة هي بالفعل الصائد
لانتباهات العقول وقاطفة لثمار الوعي
وباعثة للحقائق حول الناس ..
لقد فعلت الماسونية
فعلها في نسيج البلاد الفكري والعقدي والاجتماعي بما لم يزل أثره فينا إلى الآن .
وكان هذا عبر منظومة من الشعائر الطقوسية الرمزية والتي وافقت إلى مدى بعيد ما
تهواه أرواح الشرق وأفريقيا من شغف للغموض والأسرار .. فأقام عشائر (البناءون
الأحرار) – أي الماسون – نظامهم على عمودين راسخين لديهم وهما (الإخاء المطلق)
و(السرية المشددة) .. ولقد أورد (خضر حمد) في المقالة الأولى من كتابه إشارة لذلك ما
يلي : (يتحتم على الماسوني في جميع الأحوال أن يساعد أخاه ويرشده ويدافع عنه ولو
خاطر بحياته ، وهذا طبعاً حتى لو كان الأخ المشار إليه صهيونياً .. أليس أخاً
ماسونياً ؟) .. (في منشور صدر في سنة 1892م جاء : يجب أن يكتم الأخوان السر
الماسوني كتماناً كلياً)..
أما عن المراسيم التي
يتبعها جماعة البناءون الأحرار (الماسون) في تعميد أعضائهم من أجل تحقيق السرية
والإخاء في سبيل تنفيذ السيطرة على الشعوب
والمجتمعات وتسييرها نحو الوجهات المرسومة لها في العهد القديم (التوراة) وكتاب (التلمود)
و(بروتوكولات حكماء صهيون) ، فقد تم تدوينها في كتاب صغير سمي (الشعائر الأصلية
لشعائر الماسونية – التابعة للمحفل الانكليزي الأعظم) وقد تم ترجمة نسخة منه إلى
العربية علي يد الأخ الواجب الاحترام (يحى عمران) نائب الأستاذ الإقليمي الأعظم
لمصر والسودان بحسب التقاليد والتسميات المتبعة في الماسونية .. وقد جاء في مقدمة
الطبعة العربية الصادرة بتاريخ مارس 1962م والمطبوعة بمطبعة التمدن بالخرطوم (ولما
عرض على الأخ الواجب الاحترام الأستاذ "محمد صالح الشنقيطي" الأستاذ
الأعظم الإقليمي لمصر والسودان ، تفضل ووافق على نشره) .. ومن ابرز ما جاء في هذا
الكتاب هو نص (التعهد) الذي يقوم به طالب الماسونية على عدم افشاء الأسرار بأي
صورة من الصور وإلا فإنه يقر بوقوعه تحت طائلة ما يعاقب به الغادر الحانث الناقض
للعهد .. ثم بعد العهد يعطيه رئيس المحفل التحذير التالي – ولاحظ أن النقاط هي
كلمات حذفت قصداً من النص بالكتاب لسبب غير معلوم أو أنها من ضمن الأسرار - (واعلم
أنك بحسن انقيادك هذه الليلة .. قد نجوت من خطرين عظيمين هما "..."
والخنق فقد كان هذا الخـ .. موجهاً إلى صدرك عند دخولك من باب الهيكل ، حتى إذا
بدر منك سؤ نية كنت ساعياً إلى قتل نفسك طعناً به ويكون الأخ الذي يحمله قد قام
بما وجب عليه . ولقد كان هذا "..." في عنقك حتى إذا حاولت النكوص خنقت
به في الحال . وأما الخطر الذي يجب عليك أن تحذره ما حييت فهو العقاب الذي حكمت به
على نفسك في تعهدك وهو أن تؤثر "..." على إفشاء أسرارنا . وبما إنك قد
الزمت نفسك التعهد اللازم والميثاق الواجب في الماسونية فأخبرك أن للماسونية درجات
وأن لكل درجة منها أسراراً يكشفها الرئيس للطالب على قدر استحقاقه وأهليته) ..
إن هذا الكتاب ،
والذي ربما لا يوجد له نظير حالياً ، يوضح بدقة الممارسات الطقوسية الحاكمة لأسرار
المحافل الماسونية في السودان وقت أن كانت معلنة تماماً في مجتمعاتنا مثلها مثل
النوادي الاجتماعية والرياضية والتنظيمات الخيرية . وبرغم من علانيتها تلك لم يدر
أحد من الناس في خارج الماسونية ما هي حقيبة الأسرار المخصصة لكل رتبة من رتب
الترقي في درجاتها والتي تبلغ كل منها من الخطورة ما يكلف إفشاء العضو لأي كلمة
منها حياته حتماً .. وربما يكون الشاهد في هذا الأمر أن الرمزية الشديدة والتي
تملئ الحيز في محافل الماسون بالخوف والرهبة أثناء طقوس وشعائر فتح المحفل وإغلاق
المحفل ما يوجد رابطاً ومبرراً منطقياً
وإجرائياً في اتخاذ بعض الحركات والطرق الاجتماعية ذات الشكل العقدي كثيرة
الانتشار لشعائر رمزية قريبة الشبه من تلك التي للماسونية مما ييسر جعلها مطية
للماسون في تنفيذ أغراضهم عبرها في الوقت الذي حظر فيه النشاط العلني للماسونية ..
إن هذا الأمر ليس مصادفة بل هو ترتيب نتائج على مقدمات والشواهد على ذلك من التاريخ والواقع ماثلة للعيان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق