الوراق
..
د.
وائل أحمد خليل الكردي
قديماً قيل "إنك
لن تنزل النهر الواحد مرتين" .. لأن الماء يتغير دوماً ويتجدد .. فهناك من
الناس من يضع قدمه فيمر الماء عليه .. ومنهم من تسير قدمه مع الماء .. ومنهم من
تترك قدمه الماء يمضي للوراء وتمضي هي بعكس التيار ..
والحقيقة كنت لم
أتوقع من قبل أن ذلك الشاب الذي لد في زمان قريب .. سينطلق مندفعاً – بمشيئة الله –
من لحظة ما حولت مسار حياته منذ عشر سنوات خلت إلى أن يبلغ (الوراق) .. ذلك العمل الأثيري الذي
مازال يمجد ثقافة عصر وأمة وشعب بأروع ما تقدمه العقول وزخرت به شراك العلماء
ودلاء المفكرين ، بحبكة في التنفيذ والمحاورة نافست خيرة عقول المخرجين وكتبة
السيناريو .. وحتى ذلك الاسم (الوراق) لم يكن ليأتي كيفما اتفق ولكنه نبت جراء جرح
لقريحة تجاوزت بحاملها الحد لتحصيل مناقب النقد والتحليل والبناء للأفكار بضرب
المطارق وإجهاد المعاول سبراً للبواطن والأعماق .. فلا مناص أن جاء الاسم راسماً
ناحتاً لموضوعه دون زيغ ، فرد الاعتبار والمجد لصفحات الكتاب ومداده بعدما شبه لنا
كذباً أنه قد صار طياً أسفل شاشات الحواسب وألواح المفاتيح الضاغطة ..
ذلك الشاب وقت عرفته
كنت حينها رئيساً للدائرة الفلسفية بمركز (التنوير المعرفي) الذي عملنا على تأسيسه
ليكون صرحاً فكرياً وعلمياً قائداً .. وكان هو حينها مهندساً لامعاً للحاسوب
بالمركز .. فقدر لي الله أن ألمس شيئاً مما لديه من أرض خصبة لنماء الدرس والنقد
للفكر والفلسفة والتاريخ ، بعيداً جداً عن ذاك الجهاز الصامت الذي لازال يرهن
إرادته إلى إرادة الإنسان .. وإن كان لي ثمة فضل وأثر بأن ألحقته عضواً فاعلاً
بالدائرة الفلسفية صنواً لأساتذة عركتهم الجامعات وتقادمت أزمانهم بالخبرة الثرة
وخط القلم .. فإن الفضل الأكبر يعود لما وهبه الله جل في علاه من انتباه فذ نحو
ميادين الوعي والتفكر في حين غفل عنها قسماً غالباً من أترابه وقرائن عمره لاسيما
من أخضع عقولهم طاغوت التقنيات العالية فصاروا تبعاً لها ..ثم سيان من بعدئذ إن
اتفقنا في الأفكار والمواقف والآراء أو اختلفنا ..وسيان إن صعد أينا المنبر خلفاً
لأي .. المهم أن يبقى الإنسان قارئاً ، وأن يبقى مفكراً .. فذاك أمر الله فينا .. وإلا .. فإننا كالأنعام
ترعى في سبلها بلا قصد ، أو أضل ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق