الجمعة، 30 ديسمبر 2016

أوهام المسرح .. (المحرقة المقدسة) د. وائل أحمد خليل الكردي

أوهام المسرح .. (المحرقة المقدسة)

د. وائل أحمد خليل  الكردي   
wailahkhkordi@gmail.com                           

ذكر (فرانسيس بيكون) في الجزء الأول من كتابه الأساسي (الأورجانون الجديد) Novum Organum  ما يلي:
"تلك الأوهام والتصورات الزائفة التي استحوذت على الذهن البشري ومازالت متجذرة فيه بعمق – لا ترين فقط على عقول البشر فلا تجد الحقيقة منفذاً إليها ، بل حتى إذا وجدت الحقيقة منفذاً فإن هذه الأوهام سوف تلاحقنا مرة أخرى في عملية تجديد العلوم نفسها وتضع أمامنا العوائق ما لم يأخذ البشر حذرهم ويحصنوا أنفسهم منها قدر ما يستطيعون" ..
إن هذا القول يدل على أن التفكير السليم والمنطقي والحكم السديد في أي قضية يستلزم وجوباً تخليص الذهن الإنساني من مجموعة من العوائق النابتة فيه بفعل أسباب كثيرة منها ما هو معلوم وأكثرها مجهول .. ولقد صنف (بيكون) – وكان موفقاً في ذلك - تلك العوائق في أربعة  مناطق أساسية أسماها بالأوهام Idols (أوهام المسرح) Idols of the Theatre و(أوهام القبيلة) Idols of the Tribe  و(أوهام الكهف) Idols of the Cave  و(أوهام السوق) Idols of the Market place  .. ويجوز لنا أن نقتبس هذه الأوهام لنقرأ من نافذتها بعض وقائع الحياة والتاريخ وذلك مع شيء من التصرف في استخدام وظائف المصطلح .. وإذا بدأنا بأوهام المسرح فذلك لأنها تصور كل ما ران على أنظارنا من عمىً بصدد مجريات وأحداث مضت أمام أعيننا وهي تلبس ثوباً كثيفاً لا يشف ولا يصف ما تحته من حقيقة ومعنى ومضمون .. فيذهب الناس بها شرقاً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .. في حين أنها تسعى بأرجلهم غرباً إلى حيث لا يدرون فكان ذلك عليهم تلبيس إبليس.. فنحن قد نرى من نافذة القطار السريع أن الشجر والهوام تجري إلى الوراء وهي في الحقيقة قائمة في مكانها ونحن الذين نجري إلى الأمام ولكن ليس بأرجلنا على الأرض وإنما بعجلات القطار.
لقد قال (بيكون) في كتابه "إن كل الفلسفات التي تعلمها الناس وابتكروها حتى الآن هي أشبه بمسرحيات عديدة جداً تقدم وتؤدي على المسرح خالقة عوالم من عندها زائفة وهمية"  .. لقد تكلم (بيكون) عن أوهام المسرح تلك في حدود النظريات والمذاهب .. أما هنا فسنضرب لها الوقائع .. ومثل هذا ما قد حرره يهود عصرنا .. فقد حدث في التاريخ السالف عندما أوهم بني صهيون جميع العالم بمأساة  (المحرقة المقدسة) وأظهروا فيها لكل الناس بشاعة وجبروت وطغيان الحكم النازي بأن أحرق نحواً من ستة ملايين يهودي في الأفران العالية وكيمياء التذويب وغير ذلك .. فصوروا كيف أن الشعب اليهودي قد صار بذلك هو أكبر ضحية في تاريخ البشرية .. هذا ما سحر اليهود به أعين الناس .. في حين أن الحقيقة التي كشفت من بعد ذلك وراء المشهد المسرحي أن كبراء اليهود وسادتهم هم أنفسهم الذين دفعوا في الخفاء بعدد من أبنائهم كبش فداء إلى (هتلر) وجنوده ليبيدوهم حرقاً وتعذيباً ودون أن يعلم هو أو يعلم أحد من أولئك الضحايا أنهم مدفوعون إلى مصيرهم بيد أهلهم وبني جلدتهم .. وبهذا ضرب سادة اليهود اثنين من العصافير بحجر واحد : أولاً – إجبار أعداد كبيرة من يهود أوروبا (الأشكيناز) خاصة الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال على الهجرة غير الطواعية إلى أرض الميعاد والوطن الجديد خوفاً من الموت والإبادة ومصادرة الثروات .. وبهذا حقق الخوف في النفوس الهدف الذي أذاع به (هرتزل) وقصرت دونه السياسة  وتردد فيه أول الأمر كثير من يهود أوروبا المديرين لعجلة الاقتصاد فيها .. وبعد المحرقة المقدسة هاجر اليهود من شتى أرجاء العالم فرادى وجماعات إلى أرض فلسطين ونقلوا معهم معظم رؤوس أموالهم وثرواتهم فأداروا بها عجلة اقتصاد الوطن الجديد ، هذا بخلاف تثقيل كفة اليهود الأشكيناز (يهود أوروبا) على كفة يهود الشرق (السفارديم) ليكونوا هم حكام الدولة دوماً والعرق اليهودي الأنقى فيها .. ثانياً – الظهور للعالم بمظهر الشعب المظلوم صاحب الحق الذي يطلب التعويض فيما ابتلاه بإحراق وذبح الملايين من أبنائه مالاً طائلاً غير منقطع يجبى إلى إسرائيل من ألمانيا كل بضعة أعوام فاتورة التكفير عما اقترفت يدا زعيمها .. هذا مثال واحد ولكن قس عليه ما يصعب إحصائه وعده من ضروب أوهام المسرح التي تعرض علينا في حياتنا كل يوم غدواً وعشيا ونحن عليها في غفلة من الأيام والحقائق .. وللخروج من هذا الوهم فقد قال الله تعالى "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا" .. "فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً ولا تستفت فيهم منهم أحداً" .. والأمر مفتوح للتدبر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق