الأبطال ..
د.
وائل أحمد خليل الكردي
رسم (ثوماس كارليل) Th. Carlyle
في محاضراته (الأبطال) تصوراً فلسفياً للتاريخ أثبت فيه أن التحولات الحضارية كبرت
أم صغرت إنما تقوم على سير الأبطال ومواقفهم .. فهؤلاء الأشخاص المتميزون هم
علامات التاريخ الفارقة ..فكانت بذلك و(فويرباخ) Feuerbach وغيرهم، بأن التاريخ يصنعه
رجال متفردون ..
والبطل هو ذاك
الإنسان الذي آمن بهدف كبير وشد عليه بأشد عزائمه ، وصار يدفع في نصب ركائزه
وإقامة مواطنه ودق أوتاده وجلب الناس حوله.. إلى أن يبقى حقيقة وأثراً في حياة
البشرية .
لقد قال (كارليل) أن
الإنسان بلا هدف كسفينة بلا ربان كلاهما يرتطم بالصخور فيهوي إلى القاع .. فالإنسان
ذو الهدف هو البطل الذي يبني نماذجه على الثوابت واللوازم ، وليس ذاك الذي يجادل
ويماري في الحق لإزهاق الثوابت وتكسير الرواسخ حتى تضيع ويضيع معها زمن كثيف .
ولعل الشهادة قائمة
بأن من يظل مجادلاً في ثوابت الأمور هو إنسان عاجز – أو أراد لنفسه أن يكون
عاجزاً- عن بناء حجر على حجر .. فيؤلف فوق الثوابت جسداً شاهقاً من المتغيرات التي
يشد بعضها بعضاً ، فتكون مهما تحولت قائمة على حكم الثوابت .. أن من يجادلون في
الثوابت عوداً على بدأ دوماً هم من أرادوا الحياة كلها كماً من المتغيرات تجنح بالوجود
في مهب الريح بغير هدىً ولا كتاب منير .. أفمن المعقول أن نظل نجادل في قضايا بعينها طوال قرون وقرون دون أن نقر
إلى ثابت فيها ، بل ونقسم ذلك الجدل فيها إلى تراث ومعاصرة .. وهكذا نمضي جدلاً
بلا انتهاء ..
وبيننا من الناس من
يروحون ويجيئون على المؤتمرات والندوات لا لشيء إلا للتفنيد وزعزعة الثوابت حيث لا
ظهور لهم إلا بالمخالفة ..ولعلهم يغفلون دائماً أن (النقد) شيء .. و(النقض) شيء
آخر .. فالأولى من أجل سد الثغرات وتزكية الايجابيات ورعاية بنات الأفكار وتعهدها
بالضبط والتنقيح .. أما الثانية فهدم لأصل البناء وسوقه وفرعه .. فكيف نكون على
تلك الصفة وهناك الله تعالى يقول لنا في الذكر أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض ..
فيظل الجذر ولو احترقت الساق .. ليلد من بعدها سوقاً أخرى ولو بعد حين .. والثقة
الآن هي أن أولئك الناقضون طبعاً وديدنا لن يكونوا أبطلاً يوما، ولن يفسح التاريخ
لهم في كتابه سطراً بعد طيهم بالموت .
إن البناء على الأصول
مهارة تحفظ لبني الإنسان حرياتهم من
الفوضى .. وتعصم الذهن عن إراقة الوقت والجهد على أرض بوار .. وليهدنا الله إلى ما
فيه الفائدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق