كن
كشافاً دوماً..
د. وائل أحمد خليل الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
لا أنسى تلك الأيام
التي كنا نداولها بيننا صغاراً .. حول الخيام ووسط الأشجار في الغابات أو على ضفاف
نهر النيل العظيم .. لا أنسى كيف أن الأب المربي القائد (ربيع محمد خير) - رحمه
الله - أشهر قادة الفرقة العاشرة والحادية عشرة كشافة ، وواحد من أقوى قادة
الكشافة السودانية في تاريخها العريق .. والذي أشهد له عند الله تعالى أنه كان
يقطع حفلات التتويج – وهي أهم الاحتفالات الكشفية لإثبات العضوية ومنح الجوائز
والشارات – وقت الصلاة ليصلي بأولياء أمور الكشافين إماماً في زمان مضى كانت رعاية حقوق الله فيه أمراً طي
النسيان لدى أغلب طبقات المجتمع ، ثم يعاود تتمة الاحتفال .. كيف كان هذا الرجل
الشاب وقتها قائداً بالفعل دون القول ..
يزرع ويشتل ويحصد في أنفسنا منذ الصبا الباكر أصول قيادة الذات والآخرين والاعتماد
على النفس في كل حين ، وقدرة التصرف في أي
ظرف وحال فقط بما يحيطنا من إمكانات متاحة مهما قلت أو شحت .. لقد أسلم (ربيع محمد خير) روحه إلى بارئها بعد
أن أسس صرح كشافة دولة الإمارات العربية المتحدة فحمل في ذلك اسم السودان عالياً
.. ألا رحمه الله وأسكنه الجنة ..
ولقد كان مما يحفزنا
على الصبر وطول الجلد والالتزام ويثير حاسة الحماس والفخر في نفوسنا ذلك الملبس
الموحد الذي يضاهي في بهائه أزياء الضباط والأفراد بالقوات العسكرية .. والمنديل
المعقود على الأعناق وشارة العضوية الكشفية المعلقة على جهة القلب تحمل في طيها - روحاً أو نصاً - الشعار الكشفي الدائم (كن مستعداً) .. ثم ذلك
الكم الهائل على الأكمام من شارات الكفاية والجدارة والهواية تعلن للناس أن هنا
كشاف ماهر فاطمئنوا ولا تحقرن حداثة سنه فهو شبل ابن ليث .. ثم تلك التحية الكشفية المميزة باليد اليمنى
الثلاثة أصابع المشرعة تذكر ببنود الوعد الكشفي في واجبنا نحو الله ثم الوطن وأن
نساعد جميع الناس في جميع الأحوال ، والإصبعين المعقودين أحدهما فوق الأخر يدلان
على توقير الكبير ورحمة الصغير ثم الحلقة المستديرة بين الإصبعين المعقودين تدل
على دائرة الرابطة الكشفية بين كل من انتمى يوماً إلى الحركة الكشفية في أي مكان
من العالم .. لم أجد أبداً من نسي أنه كان يوماً كشافاً ، إذا كان .. ولا كيف أنه
مازال حتى أرذل العمر يفاد مما تلقاه فيها وإن طال عليه الأمد بينه وبينها وبعدت
الشقة ..
لم أجد فيما علمت
تنظيماً تربوياً وتدريبياً مثلما الكشافة بين نمط القيادة العسكرية من جهة
والقيادة المدنية من جهة أخرى .. القيادة العسكرية بانتظامها الشكلي والحركي فرقاً
وطلائع ، التي تقضي بالالتحام مع الطبيعة الحرة والبقاء في الظروف الخلوية الصعبة
ومواجهة المخاطر والطاعة العمياء للتنفيذ المباشر في الميدان براً وبحراً وجواً
وحيث لا وقت للتوقف للسؤال وللإجابة، والأهمية القصوى لعامل الزمن وحساب
الاحتمالات ألاستراتيجيه .. والقيادة المدنية التي تعتمد على التفسير والإيضاح لكل
المواقف ، والمشاركة في صناعة القرارات ، والاتصال المباشر بالجمهور وعموم الناس ،
والترتيب المدني للحياة ..
وعن المستقبل ، فقد
أثبت تأسيس فرقة كشفية مؤخراً بإحدى أبرز مناطق الفساد والجريمة بقيادة جمعية
الكشافة السودانية وبإشراف ورعاية جامعة
الرباط الوطني في تحويل حالة هذه المنطقة من تلك التي كانت عليها إلى منطقة تنموية
ناهضة بأيدي الكشافين الصغار أن الكشافة قد إصابت هدفها الكبير (نحو غدا أفضل) بالفعل
والعمل والتدريب لا مجرد الشعار .. هذا كله ناهيك عن علو قدرها في الملمات والخطوب
بيئيةً كانت أو إنسانية .. ومن يرى خدمة الكشافين صغاراً وكباراً للحجيج في مواسم
الحج يوقن بأن الأمر الكشفي ليس لهواً ولعباً وإنما تدريب وتربية ، وغير ذلك كثير
.. شهد التاريخ على هذا منذ حرب (البوير) وظهور كتاب (Scouting for Boys)
لمؤلفه المؤسس الأول للكشافة اللورد (بادن باول) B.P. في
العقد الأول من القرن العشرين .. ثم إلى يومنا هذا ..
فلتكن أيدك الله
كشافاً يوماً .. تكن كشافاً دوماً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق