السبت، 27 فبراير 2016

من يدري عن .. (مارون عبود)؟ د. وائل أحمد خليل الكردي

من يدري عن .. (مارون عبود)؟
د. وائل أحمد خليل الكردي   
لقد عثرت على (مارون عبود) دون قصد مني بين كتب عتيقة على رفوف مكتبة عريقة في أحد شوارع الخرطوم القديمة .. وكان ذلك منذ زمن ليس بالقريب. فعرفت أن قليلون هم جداً في بلادنا اليوم من يعرفون (مارون عبود) - 1886- 1962م - ذلك الرجل من الطراز الفريد النادر في خلقه وفكره وسعة وعيه وفيض إيمانه . (مارون عبود) رجل مسيحي ماروني متشدد في تدينه  إلى درجة الصواب ولمس الفطرة الحقة والنقاء الإنساني الخالص ..
 (مارون عبود) رجل ولد وتربى وهرم في قريته الريفية (عين كفاع) بالجنوب اللبناني ، وهو وإن كان قد خرج مراراً من قريته تلك إلى جميع العالم إلا أنه حملها معه نموذجاً دائما لمواد قلمه الثر.. فأحاديث قريته بين نفسه وبين الناس لا تنضب . ومن جهات أخرى ، فالحق أقول أنني لم أرى من فاق (مارون عبود) في تفسير ووصف بنية وحقيقة الشخصية العربية الأصلية بما لها وما عليها في مقالاته الفذة نقداً ونثراً وشعراً وفلسفة ، وكيف أنه قد صاغ بشيء واضح من التبرير المتسق مع واقع الحال أن كل بيت في قصيد العرب يدل على خاصية حياتهم وهويتهم الأولى وسمات منطقهم ، ولعله في هذا قد أثبت أطروحات الفلسفات التحليلية المعاصرة بأن الفكر الصواب هو ما سلك منهجاً لفهم وإيضاح طرق الحياة المختلفة للشعوب والقبائل ، فكان هو من أقدر الكتاب على تحليل ونقد طريقة حياة الناس وأحوالهم في بلاد العرب ومنطق عقولهم ..
إن  (مارون عبود) ذلك المسيحي الصالح المتشدد الذي دعته سلامة فطرته إلى الدعوة إلى تصحيح العقيدة لدى أبناء جلدته بما يرضي الرب ويصلح الأرض ، حتى أنه زعم أن المسيح إن عاد ورأى ما قد أحدثه الناس في أعياد الميلاد لما عرفهم  ولأنكر منهم كل فعل .
(مارون عبود) هو صاحب القضية الكبرى في حب رسولنا الكريم (محمد) صلى الله عليه وسلم من بين بني النصارى حتى مجدت قصائده (محمداً) ، ولم يطرق داراً  ولا حدثاً ولا أمراً إلا وقدم له بأية من القرآن المجيد أو دل عليه بحديث شريف قبل أن ينص عليه من الإنجيل . وقد بلغ من احترامه لمحمد صلى الله عليه وسلم  شأناً أن سمى ولده (محمداً) فثارت الدنيا عليه من بني جلدته ولم تهدأ. وحسبنا شاهداً عليه من كلامه أبيات في مدح الحبيب المصطفى وتسمية ابنه عليه :
عشت يا ابني، عشت يا خير صبي ولدته أمه في (رجبِ)
فهتفنا واسمُهُ محمدٌ أيها التاريخ لا تستغربِ
خَفّفِ الدهشةَ واخشعْ إن رأيتَ ابنَ مارونٍ سميّاً للنبي
اُمّه ما ولَدتْهُ مسلماً أو مسيحياً ولكن عربي
والنبيُّ القرشيُّ المصطفى آية الشرق وفخر العربِ
يا ربوع الشرق أصغي واسمعي وافهمي درساً عزيز المطلبِ
زرع الجهل خلافاً بيننا فافترقنا باسمنا واللقبِ
(فالأفندي) مسلمُ في عرفنا والمسيحيُّ (خواجه ) فاعجبي
شغلوا المشرق في أديانةِ فغدا عبداً لأهل المغربِ
يا بني اعتزَّ باسمٍ خالدٍ وتذكّرْ إن تعشْ، أوفى أبِ
جاء ما لم يأِتهِ من قبلهِ عيسويٌّ في خوالي الحقبِ
فأنا خصم ُالتقاليد التي ألقتِ الشرقَ بشرّ الحَرَبِ
بخرافاتِهِِمِ استهزئ وقلْ: هكذا قد كان من قبلي أبي.
وغداً يا ولدي، حين ترى اثري متبَّعاً تفخر بي
بكَ قد خالفتُ يا ابني ملّتي راجياً مطلعَ عصر ذهبي ..
ولعل المغذى المستفاد من إيراد سيرة رجل مثل (مارون عبود) يكون قول الله تعالى في القرآن المجيد "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين" .. وأحسب أن في قلب هؤلاء رغبة وتمني أن لو كانوا مسلمين فيجدون الحياة بذلك أفضل وأرحب وأكبر معنى ، ولعل أولئك من أهل الكتاب الذين قال فيهم الله تعالى "وإذا سمعوا ما أنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين" .. فكم فينا وبيننا ممن سلمت فطرتهم ، وأثمر الرجاء الطيب فيهم بإنفاذنا معهم أمر الله تعالى بقوله "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" .. وكم ضيعنا الكثير من الفرص في تكثير أمة الإسلام ليس بغث كثيف من أبناءنا وإنما بمن هم ذوي نفع وجلد وعزم وعلم في أصحاب الملل الأخرى  و(مارون عبود) يقف في قبره خير شاهد ودليل لنا في ذلك .. أدعوا الله أن يكون (مارون عبود) النصراني الصالح قد أعلن في قلبه لله وحده أنه مسلم .. وأرجو لنا أن نقرأ من سيرته وسيرة أمثاله وما كتبوا وألفوا لعلنا نكسب شيئاً من المستقبل مع هؤلاء في ظل الإيمان قبل فوات الأوان .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق