السبت، 27 فبراير 2016

إلى هؤلاء العلماء .. لعلهم يفقهون د. وائل أحمد خليل الكردي

إلى هؤلاء العلماء ..  لعلهم يفقهون

د. وائل أحمد خليل الكردي    

منذ قرابة العامين كنت من القائمين على أمر إبراز ونشر التجربة الفريدة التي أجريت بإحدى الجامعات السودانية الأهلية والتي حاول فيها بعض الباحثين من الأطباء إثبات - بشيء من حسن النوايا - الإعجاز العلمي للقران العظيم وكان البحث على الآية الكريمة (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) لإثبات أن الألوان والألسنة لا تتطابق بين الناس من الناحية العضوية .. فرحنا بذلك واحتفلنا به .. ولكن قد تبين لي فيما بعد من خلال مراجعة أطروحات المنطق وفلسفة العلوم أن مثل هذه البحوث لإثبات الإعجاز العلمي للقران الكريم بهذه الكيفية قد وقعت في شراك منهجي ومنطقي كبير بإدخال آيات القران الكريم إلى حيز منهج البحث التجريبي بغرض إثباتها وتأييدها علميا لمواجهة علماء الغرب في إطار العمل الدعوي ، فجاء الأمر بنتيجة عكسية فأصبح النص القرآني موضع الضرب والدحض والتشكيك بصورة أكبر من جانب هؤلاء العلماء الغربيين بإدخاله إلى حيز ما يعرف في مناهج البحث العلمي (بمشكلة الاستقراء) problem of induction والتي تقوم على استحالة التعميم المطلق لحكم على أي ظاهرة كونية طبيعية لعدم استيفاء التجريب لكافة العناصر أو الوحدات المطلوب إصدار الحكم العلمي عليها ، فتظل هناك دائما نسبة احتمالية متسعة بحجم الفاقد في إحصاء العناصر تحت التجريب ووسائل الإثبات والبرهان. وهذا ما اضر كثيرا بفهم القران حيث أن الآيات الموجهة للعالمين (مثل أية اختلاف الألسن والألوان) هي واضحة الدلالة بذاتها ومثبتة بذاتها ويكشف ظاهر النص عنها مباشرة .. فهي تقرير مباشر عن الله تعالى . فإذا عاملنا هذه الآيات معاملة (الفرض العلمي) لتحقيقها بالمنهج التجريبي الضيق لوقعنا بذلك في مشكلة الاستقراء وأفسدنا الدعوة إمام العلماء غير المسلمين إذ يتطلب الأمر لإثبات آية قرآنية متسعة باتساع الكون كله إلى منهج يليق باتساعها ولكن هذا مستحيل فلم نؤت من العلم إلا قليلا فكيف يمكن أن نتجاوز حيز حدود خبرتنا الجزئية إلى الكل المطلق (لا يمكن إثبات دلالة ربانية مطلقة بمنهج جزئي وضعي محدود). ومثل هذه المحاولات لإثبات الآيات بدعوى الإعجاز العلمي تبدو نوعا ما على قدر من السذاجة والسطحية في الفهم الحقيقي للقران العظيم مما يجعله هدفاً سهل المنال لدى الملاحدة من علماء العالم المتقدم البارزين.
إذن فليس سوى حل واحد وهو عدم تحويل ما هو قاطع الدلالة من نصوص أو آيات القران العظيم إلى (فرضية) hypothesis - بل إلى (مسلمة) axiom ينطلق منها البحث إلى الأمام لنتائج وبحوث متقدمة دون أن يبحث فيها هي بذاتها، ومن ثم تحويل سؤال مشكلة البحث في الإعجاز القرآني من: ما إثبات دلالة الآيات؟  إلى: ماذا وكيف يمكن أن يستفاد من هذه الدلالة (إدارة المعرفة)؟ هنا يكون تداول المسلمات في السياق البحثي المستند إليها مشيرا ومؤكدا على دورها الوظيفي المنتج علميا. وحتى تلك الآيات ذات المحمول أو المضمون العلمي ولكنها غير معروضة الدلالة بظاهر النص في القران العظيم وتحتاج بالتالي إلى اجتهاد تأويلي لكشف باطن الدلالة فيها، فهي أيضا لا يكون البحث فيها للإثبات والبرهان على حقيقتها وإنما يكون بحثا لتوفير المعرفة بالدلالة أصلا ، أي اكتشافها ، لا إلى إثباتها. فالمشكلة كلها هنا تكمن في محاولة (الإثبات) لا (الكشف) أو (التوضيح).

فليعلم أولئك إن أرادوا .. أن جماع الآيات ذات الدلالات العلمية في القران العظيم إنما هي حصيلة القوانين العلمية المطلقة والثابتة ولا يمكن نقضها ولذلك لا يمكن التعامل معها إلا كمسلمات ضرورية. وأما ما عداها مما لم يرد ذكرها في القران فهي ما تقوم عليه الفرضيات والأحكام الاحتمالية.  والله تعالى اعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق