نقد منطق نظرية
الانفجار العظيم كأصل لنشأة الكون استنادا على المرجعية القرآنية
د/ وائل
أحمد خليل صالح الكردى
(أ) مقدمة:
نظرية الانفجار العظيم Big
Bang تعد اشهر واقوى النظريات حجة فى محاولة اعطاء
تفسير منطقى متكامل لنظام خلق الكون وتصور نشأته ولحظات بداياته الأولى ، وتعيين
البناء الكونى بما يسمح برسم التصورات والتنبؤات العلمية المستقبلية لهذا الكون.
ومازالت تدون حولها الكتابات والمراجعات العلمية .
هذه الدراسة تحاول ان تقدم رؤية نقدية فى اطار
فلسفة العلوم وآلياته المنطقية وليس فى اطار التجارب المعملية الاستقرائية . عليه
، فإنها تقوم بنحو اساسى على مرجعية النص القرآنى الذى استند عليه مفكروا العلم
لتأييد نظرية الانفجار العظيم كبداية للكون . ولعل هذه الدراسة النقدية تتجه
اتجاهاً مغايراً فى اعادة قراءة ذات النصوص بما يقابل التأييد لهذه النظرية ، وذلك
من واقع انها نظرية علمية وليست قانوناً علمياً. وبناء على ذلك سيتم اولاً: عرض
الفارق بين مفهوم النظرية العلمية ومفهوم القانون العلمى ، وثانياً: عرض
الخطوط العامة لنظرية الانفجار العظيم ونتائجها دون الدخول فى تفاصيلها الدقيقة على
اعتبار ان مصادرها متاحة بصورة واسعة ، وثالثاُ: النقد التحليلى للنظرية بإستخدام
الإستدلال المنطقى فى مراجعة قراءة الآيات القرآنية المتعلقة بها، ورابعاً:
الدلالات الناشئة عن نقد نظرية الانفجار العظيم ومايمكن استنباطه من مؤشرات على
هذا النقد التحليلي فيما يمكن تسميته بمبدأ التوالد الكونى .
(ب) الفرق بين مفهوم النظرية العلمية ومفهوم
القانون العلمى :
يمكن من ملاحظة الخاصية المنهجية لكل من مفهوم
القانون العلمى Scientific Law
ومفهوم النظرية العلمية Scientific Theory تبين ان القانون هو نوع من التقرير يتم من
خلاله الكشف عن حقيقة عنصر ما فى الكون ضمن اى مجال من مجالات البحث العلمى ؛ أى
أن القانون العلمى هو نظام محدد من الروابط السببية الضرورية والمستقرة بين
الظواهر أو بين صفات الموضوعات المادية وعلى العلاقات الجوهرية المتكررة التى
يتسبب فيها تغير بعض الظواهر فى تغير محدد فى ظواهر اخرى مثال (قانون الجازبية)(1).
من هنا
كان القانون العلمى تابع لشرط لازم لصفته هذه وهو عدم القابلية للدحض أو الانهيار
بالكلية .وهو ايضاً بهذا الوصف يخضع لمبدأ الاستقراء المنطقى Induction فى الكشف عنه وهو الانطلاق
من مجموعة مشاهدات جزئية على ظواهر منفردة الى تعميم كلى عام .وهذا المنطق يعنى
أنه لايكفى أن تؤيد ملايين الشواهد القانون العلمى وإنما يكفى ألا تظهر شاهدة
واحدة تعارضه وإلا انهار القانون برمته .ولعل تلك كانت زاوية النقد الذى وجه الى
معالجة وصياغة القانون العلمى وفق المنطق الاستقرائى فى صورته التقليدية لدى
الفلسفة الارسطية والفلسفة التجريبية الانكليزية .إلى ان اتى كارل بوبر K.Popper بتصور آخر لهذا المنطق عرف
فى فلسفة العلوم بمنهج التكذيب Falsficetion ومفاده ان اثبات القانون
العلمى ليس مرهوناً بالشواهد المؤيدة له بل بصموده أمام الشواهد المعارضة ، فيكون
الحد الذى ينتهى عنده صمود القانون فى تكذيبه للشواهد المعارضة هو مجال وحد تطبيق
وسريان هذا القانون، وماوراء ذلك من شواهد انما تتبع فى تفسيرها الى قانون آخر
.وهو مايتفق مع نظرية المجالات والمناطق الكونية Fields
Theory المختلفة بحسب
التوزيع والتنوع الزمانى – المكانى ،والتى قال بها العالم الالمانى البيرت
اينشتاين A. Einstein.
أما
مفهوم النظرية العلمية فهو مفهوم قائم على الرؤى الكونية الشاملة World-view وهى الرؤى التى تحاول ان
تضع تفسيراً عاماً لحالة وحركة الكون فى مجمله أو بعضاً منه من خلال ضم أو ربط
حصيلة القوانين العلمية فى اطار رابط فكرى شامل يعمل على استخدام وتوظيف وتوجيه
القوانين العلمية وجهة تفسيرية معينة من خلال اصدار حكم كلى على الكون يتم من
خلاله تحقيق معين لإدارة المعرفة .وضرورة ذلك هو توحيد نتائج العلوم المختلفة فى
نطاق تفسيرى وإدارى واحد .
من هنا
كان من الممكن أن تبطل نظريات علمية فى حين تثبت وتقام أخرى، ويمكن الغاء رؤى
كونية كلية مع تحقيق اخرى .. وهكذا. ومن امثلة النظريات العلمية النظرية النسبية Reletirity Theory ونظرية ميكانيكا
الكم Quantum Mechanics.
ونظرية الانفجار العظيم التى نحن بصددها فى هذه
الدراسة .اذن ، وعلى كل ماتقدم فإننا حينما نتحدث عن المقررات والشواهد العلمية
بمصادر الوحى ( القرآن والحديث ) فإننا نستخدمها كحجة مصدرية لانها تقع على ماهو
من قبيل القوانين العلمية غير القابلة للإلغاء ولا نثبتها كنظريات علمية تقبل
الاخذ والرد والاختلاف و التحقق أو الحذف. لذا يبطل القول تماماً بأن القرآن
الكريم متغير بتغير الحقيقة العلمية لأن الحقيقة العلمية والتى يصفها القانون
العلمى غير متغيرة وانما المتغير فهو النظرية العلمية . وماهو معلوم فإن نظرية
الانفجار العظيم فى تفسير نشأة وتطور الكون هى نظرية علمية وتحمل كل سمات هذا
المفهوم لذا تعددت الاراء حولها بين تأييد ومعارضة، وعليه، فإن الرجوع
الى نصوص قرآنية فى هذا الصدد انما هو رجوع احتمالى وليس قطعى فإن اثبتها النص
القرآنى إذن فهى قانون وليست نظرية . ولكن الشاهد أن نفس النص الذي تم الرجوع اليه
فى اثباتها هو نفسه يمكن الرجوع اليه فى نقدها بقراءة النص وفق المنهج التحليلى. والمهم
فى هذا الأمر هو محاولة ازالة الثغرات فى فهمنا لنصوص الوحى والتجويد المستمر
وصولاً الى استخراج القانون العلمى بصدد تفسير هذه الظاهرة .
(ج) تأييد نظرية الانفجار العظيم كأصل لنشأة الكون
:
تقول نظرية الانفجار العظيم Big
Bong وتسمى كذلك نظرية
النموذج القياسى Standard Model
أن بداية الكون تمثلت فى حدوث انفجار عظيم هائل ليس له مثيل فى قوته ولايمكن
مقارنته بالانفجارات التى تحدث على سطح الارض ، وهى الانفجارات التى تبدأ فى نقطة
مافى فراغ ثم تنتشر فى محيط اكبر ثم اكبر .لكن هذا الانفجار العظيم شمل كل نقاط
الفراغ فى نفس اللحظة أى انه حدث فى كل مكان فى لحظة واحدة ، وأدى هذا الانفجار
الى تبعثر كل مكونات الكون وابتعادها عن بعضها البعض . هذه النظرية حاولت أن تحدد
خواص الكون فى كل لحظة من لحظات عمره وخصوصاً ماهو موجود فى الوقت الحاضر وذهبت
إلى أن أول لحظة نستطيع التوقف عندها بدقة فى تاريخ الكون هى الواقعة بعد جزء من
مائة فى الثانية بعد بداية الانفجار العظيم حيث كانت درجة الحرارة بعد 1/100 من
الثانية الاولى من عمر الكون حوالى مائه ألف مليون درجة مطلقة ] الدرجة المطلقة هى درجة
الحرارة المئوية العادية مضافاً اليها 273 ،أى أنه اذا كانت درجة حرارة الغرفة هى
27 درجة مئوية فهى تساوى 300 درجة مطلقة [ وهذه الدرجة مرتفعة
جداً وهى أعلى بكثير من درجة حرارة الشموس والنجوم المعروفة وعند هذه الدرجة لايمكن
لمكونات المادة أن تتماسك ،أي أن الجزيئات والذرات وحتى انوية الذرات نفسها لن تظل
متماسكة ، بل سوف تتفكك الى جسيمات صغيرة منها المادة فى أدق تفاصيلها . وهذه
الجسيمات} مثل الالكترون والبوزيترون { هى التى تعرضت
للانفجار فى اللحظات الاولى من عمر الكون (2).
هذا
وقد أدى استمرار الانفجار الى تمدد الكون مع انخفاض درجة حرارته تدريجياً بما يسمح
باتحاد الجسيمات لتكوين الأجسام الأساسية الثقيلة ذات الكثافة العالية وصولاً الى
تكوين الذرات ATOMS
بهيئتها المعروفة ، ومن ثم بدأ الكون يأخذ شكله المألوف لنا برغم أن مكوناته لم
تتغير منذ الدقيقة الثالثة من لحظة تكوينه .
وكان
من أهم نتائج هذه النظرية هو :
اولاً/ القول بتمدد الكون ، أى حقيقة أن المجرات
تبتعد عن بعضها البعض وتزداد المسافة بينها نتيجة الانفجار الذى حدث فى البدء .
ثانياً/ وجود شىء تبقى منذ اللحظة الأولى لتكوين
الكون.وهذا الشىء هو '' الخلفية الكونية '' وهى اشعاعات ضعيفة من النوع
الميكروموجي
] تستخدم فى الاتصالات
التلفونية [
(3) .
وتفسر هذه الخلفية الاشعاعية بأنها الاشعاع الباقى
من الانفجار العظيم عند بدء خلق الكون ، وهذه الاشعة لايمكن رؤيتها بالعين المجردة
لأنها تقع ضمن موجات الميكروويف .
ويذهب العلماء الى ان هذه الاشعة هى أول وابعد
واقدم اشعة يمكن لأى تلسكوب التقاطها ومن المستحيل أن نرى قبلها أى شىء. والسبب أن
الكون قبل هذه الاشعة كان قاتماً وأن هذه الاشعة هى اقرب ما يمكن للحظات الاولى
للانفجار العظيم لذلك يرون انه حتى من الممكن من خلال دراسة هذه الاشعة فهم تولد
الكون وتطوره على اعتبار أن مصدر هذه الاشعة هو الكون عندما كان عمره وليداً
وتمددت موجات الاشعة مع تمدد الكون ، وبالتالى فقد زاد طول موجتها عما كانت عليه
وثبت لديهم أن اصل هذه الاشعة صادر من شىء ما بسبب حرارة هذا الشىء اذن فالاستدلال
على هذه الاشعاعات ناتج عن حساب تمدد الكون والذى يرجع الاستدلال عليه بدوره الى
فقدان الحرارة التدريجى بفعل التمدد (4) .
فان كانت تلك هى الحالة الوصفية العامة لنظرية
الانفجار العظيم كتفسير لبدء خلق الكون فقد انسحب التأييد الاستدلالى عليها من
واقع تفسير الآية الكريمة ( أولم ير الذين كفروا أن السموات والارض كانت رتقاً
ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شىء حى افلا يؤمنون ) الانبياء (30) .
ووجه الاستدلال والتأييد هنا هو حالة الاتصال واللاتمايز الكونى على هيئة الرتق ثم حدوث
التمايز بنحو مرحلى بفعل الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة الذى سبب التمدد الذى ينتهى بالفتق بين
المكونات الكونية على نحو ما اقرته نظرية
الانفجار العظيم .
نقد منطق الانفجار العظيم وتأسيس فكرة الفقدان
الكونى :
الاشارة هنا الى ان النقد الذى يمكن أن يوجه الى
هذه النظرية هو على جهتين :
الجهة الاولى – وهو ادعاء الانفجار العظيم كأصل
لنشأة الكون .
الجهة الثانية – أن الانفجار العظيم فى ذاته كان
على الجسيمات الدقيقة والعناصر الغازية .
والاستدلال فى النقد فى هذا هو الرجوع الى سياق
الآية ذاتها : من خلال القراءة الاصطلاحية اللغوية للمفاهيم وعلاقتها المؤلفة للنص
. فاولاً/ قوله تعالى :( كانتا رتقاً ) ،( الرتق ) يفيد الالتحام على صورة
الاحتفاظ بالشخصية والخصوصية مع الالتصاق وذلك لأن الخطاب موجه الى شخوص معلومة
بذاتها وهم ( السماوات والارض ) . وهذا بخلاف (الوصل) الذى يفيد الاتصال والتداخل
الانصهارى الذى يذوب معه تحديد وتعيين الخصوصية الشخصية الذاتية : مثل إراقة كأس
الماء فى النهر . ومرجعية هذا التصور لماهية ( الرتق ) هو قوله تعالى '' هو الذى خلق لكم مافى الارض جميعاً '' البقرة (29) على نحو مايفيد وضع
واكتمال الاجناس منذ البدء وبصورة مباشرة كحد قبلى Apriori وراء فعل الانفجار العظيم
والاستدلال فى ذلك قوله تعالى '' انما امره اذا اراد
شيئا أن يقول له كن فيكون '' يس (82) حيث أن الخطاب
المباشر نحو المخلوق يشير الى تأكيد خلقه بذاته وشخصه .
ثانياً/ قوله تعالى '' ففتقناهما '' انما يفيد فك الرتق أى شقه،
واستغلال كل كائن بشخصه، ومفهوم (الفتق) بذلك هو على خلاف مفهوم (الفصل) الذى يفيد
تفصيل ماتم وصله دون تمايز بشخصيه كائنة مستقلة على نحو توزيع الماء الواحد على
كؤوس عديدة مختلفة .
من
هنا يمكن الاستدلال على أن الانفجار العظيم ليس هو أصل نشأة الكون وبدئه وانما الكون
بدأ بمعالمه المحددة واجناسه المعينة بخلق مباشر بكلمة الله تعالى .
والسؤال الذى يتقدم امام البحث : ماهو العامل
الحاسم الذى ادى الى حدوث هذا الانفجار العظيم ؟
وإن لم
يكن هذا العامل خارجياًَ فمعنى ذلك أن هنالك نوع من البرمجة الذاتية داخل المادة
الكونية الاولى هى التى ادت الى تحقق الانفجار ، وبالضرورة أن هذه البرمجة الذاتية
تستلزم اولاً/ وجود تلك المادة الكونية الاولى التى حدث فيها البرمجة وثانياً/
وجود المبرمج المنظم لعملية التمدد الكونى فى مرحلة مابعد حدوث الانفجار العظيم .
وهذا بدوره يتفق والقول بنفى الشهادة للخلق الاول أى عنصر الجنس العام للنشىء
بقوله تعالى '' ماأشهدتهم خلق السموات
والارض ''
الكهف (51) ثم يعلن مع ذلك امكان الاستدلال عليه مما تمخض
وتوالد عنه الى يومنا هذا وذلك ما يمكن ان يفاد من قوله تعالى :
'' انه بيدؤ الخلق ثم يعيده ''
يونس (4) تفيد التوالد
'' كلا إنا خلقناهم مما يعلمون
''
المعارج (39) تفيد الاستدلال على الخلق الاول. '' اولا يذكر الانسان أنا
خلقناه من قبل ولم يك شيئاً'' مريم( 67) تفيد الخلق الاول
للشخوص . '' وقد خلقتك من قبل ولم تك
شيئا ''
مريم(9) تفيد الخلق الاول للشخوص . '' ياايها الناس اتقوا
ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ''
النساء(1) تفيد التوالد الكونى عن الاجناس والانواع . '' وخلق كل شىء فقدره تقديرا''
الفرقان (2) تفيد تأكيد الخلق المباشر لانواع الكائنات معينة محددة
، كما تفيد وضع البرمجة الذاتية لها على التوالد المستمر.
ان
مايحدث ونراه فى الكون من تمدد واتساع انما هو توالد العناصر والافراد عن الاجناس
والانواع وليس كما حسب اصحاب نظرية التطور
من توالد
الاجناس والانواع عن بعضها فأصل النوع لديهم هو نوع آخر ثم آخر ثم آخر هكذا دواليك
الى مالانهاية بما يستلزم لديهم نفي الخالق ومبدأ الخلق، أو على الاقل اثبات
الخالق مع نفى علمه بما خلق وبما تولد عن خلقه الاول بحيث لا يملك امامه الا الاستحسان
كما ورد فى سفر التكوين من العهد القديم بصورة ضمنية " وأمر الله : لتنبت الارض عشباً وبقلاً مبزراً، وشجراً مثمراً
فيه بزره الذى ينتج ثمراً كجنسه فى الارض"(5) وهكذا كان فأنبتت
الارض كل أنواع الاعشاب والبقول التى تحمل بذوراً من جنسها ورأى الله ذلك فإستحسنه
. ومضمون ذلك ان الله تعالى ـ فى أقوالهم ـ أمر فقط بالأرض أن تنبت عشباً وبقلاً
يحمل بذراً ولم يتدخل بعد ذلك فى نوع الاجناس التى تنبتها الارض وانما تفعل الارض
ذلك بأمر ذاتى منها ، ودليل ذلك استحسان الله لها بعدما رأها كأنما رأى شيئاً
جديداً عليه، فتعالى الله علواً كبيراً عما يصفون .
فالله
تعالى قدر كل شىء تقديراً ويعلم بحق مافى الارحام أي يعلم كل جزء يتولد عن جنس أو
نوع .
اذن
، يمكن اصدار فكرة التوالد الكونى فى مقابل نظرية التمدد والاتساع الكونى بفعل
الانفجار العظيم بكون هذا التوالد هو احتواء الجنس أو النوع على عناصره بالقوة
وخروج هذه العناصر على حقيقتها هو وجودها بالفعل. هذا، كما أن القول بالخلق
المباشر المعين للأجناس والأنواع هو بدء الكون فى مقابل القول بالإنفجار العظيم
كبدء للكون. والشاهد فى هذا أن نظرية الانفجار العظيم نفسها قد تقع بذلك فى مفارقة واضحة فى اقامتها على الجسيمات الدقيقة
دون الكائنات المركبة مثلها فى ذلك مثل الجمل الناقصة والتى لاتعطى فائدة الفهم
الكامل بينما يؤكد القول ( بالرتق ) ( والفتق ) انهما مرحلة لاحقة على خلق الاجناس
والانواع وانهما يقعان على كائنات مشخصه كاملة البناء .
وقياساً على هذا الأمر ف( آدم ) عليه السلام - على سبيل المثال - ليس خليفة
الله تعالى على الارض وإنما هو خليفة فى الارض أى خليفة لجنس
الانسان الذى خلقه الله تعالى فى شخص (آدم ) عليه السلام أى أن كلمة(خليفة) قد
تفيد الاستمرارية المتوالية لتعاقب الأجيال من بنى (آدم) عليه السلام وجعله من ضمن
خلقه لما فى الارض جميعاً وبذلك يكون تعلم (آدم ) عليه السلام الاسماء كلها انما
هو من قبيل وضع العلامات to put a sign
ذات الدلالة المنطقية
على حصول الكون بنحو كلى وأن التوالد الكونى يتم فى اطارات المجالات الكونية
الموجودة اصلاً . وفكرة التوالد الكونى هذه انما تدخل فى وصف الاتساع الرأسى للكون
أى فى اتجاه العمق وهو ما يشهد الله تعالى عليه الانسان فى اعادة الخلق على الخلق
الأول . أما التمدد والاتساع الأفقى وهو تكثير الانواع والاجناس فهو يدخل تحت قوله
تعالى ( ويخلق مالا تعلمون ) النحل (8) وذلك فى امور
الغيب التى قد لا يحصل للانسان العلم بها الا بالتقوى وقد لا تحصل لديه الا وحياً
او نحواً من ذلك ، وتأكيد ذلك ماهو قائم فى الدار الآخرة مما لاعين رأت ولا اذن
سمعت ولا خطر على قلب بشر .حيث أن ذلك لايدخل فى قاعدة البناء المعرفى السياقى systematic
knowlege والذى تنشأ فى
اطاره العلاقات الرياضية الحسابية وفق ما فسره ( لدفيش
فيتجنشتاين) L.Wittgenstein
الفيلسوف والمنطقى النمساوى المعروف - بقوله أن الاستدلال
المنطقى الصحيح لايكون إلا بناء على قواعد صحيحة، وأن معيار الصحة هنا بمنظور
المجالات اللغوية الاجتماعية المتعددة والمختلفة بحسب مقاصد وكيفية الاستخدام
للعلامات وفعاليتها وفق ظرف وانماط الحياة
- على مثال نظرية انشتاين النسبية فى الكون ـ والاصل البنائى فى رسم
العلامات والعلاقات داخل الى هذه المجالات اللغوية انما يقوم على قاعدة أو مبدأ أن
هناك سقف مرن للحقل الدلالى لامكانيات الاستخدام للعلاقة بصورة مفهومة .(6)
خـــلاصــــة :ـ
ليس المقصد من نقد نظرية الانفجار العظيم هو هدمها
بالكلية وانما رفض اعتبارها اصلاً لنشأة الكون وبدء الكون وما وراء هذا النقد هو
الوصول الى نتائج افتراضية فى الحيز المنطقى . وهى أن الكون مؤلف من مجالات ومناطق
لامتناهية بحسب ما أكد ذلك نظريتى (النسبية) (وميكانيكا الكم) وأن كل مجال لديه
المركز التحكمى المكانى ـ الزمانى فيه والأمر ينسحب على الكائنات المعينة باجناس
وانواع . وأن مناهج الكشف العلمى انما تقع اساساً على القوانين التحكمية الضابطة
لهذه المراكز بما يوضح ويحقق توالدها الكونى. فإذا تم الكشف العلمى على هذه
القوانين اذن تحصل الهداية فى العلم بالكون ومن ثم توفر امكانية السيطرة والتسخير والتطوير
وهذا من قبيل ماثبت حاكمية القرآن على الكون والكشف العلمى وليس العكس بكون هذا
الوجود كله هو كلمة الله فى قوله تعالى ( كن فيكون ) دون فارق زمانى بين فعل النطق
وتحقق الكون .
المـــــــراجع :ـ
(1) راجع :
كميل الحاج ـ الموسوعة الميسرة فى الفكر الفلسفى
والإجتماعى ـ مكتبة لبنان ، لبنان ، ص 439 .
(2) راجع :
ممدوح كامل الموصلى ـ الكون فى الدقائق الثلاث
الأولى ـ دار الغد للنشر والدعاية والاعلان ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1985 م ،
ص 17 -18 .
(3) راجع :
المرجع السابق ـ ص 22 ـ 23 .
(4) راجع :
على حسيب عبد الله ـ صدى الإنفجار العظيم ، أقدم
حفرية فى الكون ـ مجلة العربى ـ الكويت ، العدد 567 ، فبراير 2006م ص 14 .
(5) راجع :
الكتاب المقدس ( العهد القديم ) ، ترجمة تفسيرية ،
ط ح ، 1988 م ، ص2 .
(6) راجع :
Wittgenstein , Ludwig – Philosophical
Investigations – BsailBlackWell, 1953 , part 1.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق