الخميس، 2 فبراير 2023

قطع الأنسال.. (تاجر البندقية) يعود من جديد

قطع الأنسال.. (تاجر البندقية) يعود من جديد
 د. وائل أحمد خليل الكردي


 كنت اتحاور مع صديقي الدكتور (شمس الدين يونس) حول ذلك التاجر اليهودي المرابي في مسرحية (شكسبير) الذي أقرض التاجر النبيل مالاً لأجل، وحينما حان الأجل ولم يسدد كان العقد بينهما أن يأخذ اليهودي مقداراً معتبراً من لحم صدره، فأي حياة تبقى له بعد ذلك.. ولكن القاضي أمر بإنفاذ العقد فقط في حدود ما نص عليه بأن يأخذ مقدار اللحم ولكن دون إراقة نقطة دم واحدة.. هكذا كان العقد منذ أوله ومبتدئه فاسداً غير صالح فلا يمكن أن يكون مقابل حفنة من المال إلا حفنة من المال مثلها وليس حياة إنسان.. قفز حينها إلى ذهني أن تاجر البندقية اليهودي هذا يعود دائما من جديد في كل زمان ومكان.. وكان دوماً هناك هدف واحد وراءه يخفى على عموم الناس، وربما أن (شكسبير) قد أراد من وراء مسرحيته هذه أن يكشف عن محاولات فئة من البشر الحد من حياة بشر آخرين لتخلو لهم الدنيا، فلو أن التاجر اليهودي نفذ عهده لمات التاجر النبيل حتف أنفه ثم ينقطع أثره ونسله.. فهناك دائماً أقوام يعملون على إزاحة الآخرين عن الحياة فيلجئون من ضمن ما يلجئون إلى الإبادة البشرية بقطع اسباب النسل سواء كان ذلك بغرض التطهير العرقي بدعوى البقاء للأصلح أو بالأحرى (الأقوى) وهو ما درج عليه غالب التاريخ الإنساني القديم والوسيط.. أو بدافع ما نشهده في عهدنا المعاصر من احتكار وإدارة الثروات الطبيعية لصالحهم دون غيرهم، فما فتئوا يصنعون لذلك شتى الصنائع والتفانين والصيحات العصرية التي توجه انتباه الناس وعقولهم نحو مغذى وهدف معين ظاهر وهم في الحقيقة يريدون بها هدف آخر تماماً محجوب عن الظهور، وهذا ما عجن السياسة بالاقتصاد فيما عرف (بالاقتصاد السياسي) الذي هو التزاوج بين لعبة الأهداف الإنسانية المخفية وسياسة تحويل الثروات إلى أوراق مالية.. فصارت الأرض ملعباً كبيراً يتجاذب أطرافه معسكر رأسمالي أثبت نفسه منذ التاريخ القديم ومعسكر اشتراكي ولد حديثاً نوعاً ما وكان هو دائما ردة فعل معاكسة في الاتجاه على ما يقوله الرأسماليون.. لذلك كانت الرأسمالية تغلب دائماً برغم صعود نجم الاشتراكية بشكل يثير الإعجاب في فترات من التاريخ. حتى أنه يمكن القول أن من يتحكم في عالم الاقتصاد السياسي منذ ظهور نظرية (مالتوس) في السكان في العام 1798م هو ظل (مالتوس) نفسه وما تمت عليه من شروح وتفسيرات وتأويلات تلوح جميعها بما يسمى بالكارثة المالتوسية أو المأزق المالتوسي بأن النمو السكاني يمضي رأسياً في حين تنمو الموارد الغذائية خطياً وهو ما يؤدي في المحصلة إلى تدني مستويات المعيشة إلى حد الأزمات التي يتولد عنها المجاعات والحروب والهجرات الثقيلة، فكان الحل لديه فيما يسمى (النمو السكاني المتأثر بالضوابط الوقائية) أي اتخاذ الإجراءات الجبرية التي تحقق التوازن بين ما هو رأسي وما هو خطي بالتحكم في النمو السكاني.. أي باختصار وبلغة أخرى، قطع النسل بما وسع القاطعون من سبل.. منع الحمل القانوني.. عقاقير منع الحمل.. إضعاف الخصوبة التناسلية.. الإبادة المباشرة.. اجراء التجارب القاتلة على البشر.. تجارة السلاح ونشر الأسلحة البيولوجية.. تأجيج الصراعات العرقية والقبلية.. المهم هو إيقاف التزايد البشري حتى لا يطغى على الثروة والموارد التي يديرها لمصلحتهم أصحاب رؤوس الأموال الذين أرادوها أن تكون دولة بين الأغنياء، والغاية في هذا تبرر الوسيلة تماماً عندهم.. ولطالما كنت أتساءل عن تلك الدعاوى الجديدة في أيامنا هذه والتي يجمع بينها كلها هدف خفي وحيد هو (الحد من تزايد نمو النسل البشري في العالم)، ولماذا تم تغليف هذه الدعاوى بأغطية زاهية من الشعارات السياسية والحقوقية الإنسانية.. فوجدت الإجابة في خبر تخطي العالم اليوم لحاجز الثمانية مليار نسمة والتصور المصاحب لذلك عما سيعانيه كل هؤلاء البشر من صعوبات بالغة في العيش.. وأنه لما كان عالمنا الراهن لا يقبل إلا ما كان سائغاً من ناحية الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية والديمقراطية السياسية، لذلك ابيحت مشروعية الإجهاض القصدي تحت غطاء النسوية وحقوق النساء.. وتعميق المساواة الكاملة بغير عدالة حقيقية وطبيعية تحت غطاء (الجندر) أو الدفاع عن حقوق النوع المستضعف من البشر وهم النساء في مقابل اضطهاد الرجال لهم.. إلى أن بلغ بنا الحال في تفانين قطع الأنسال إلى الجهر عالياً وفي جميع المحافل بشتى وسائل الدعاية بمشروعية المثلية والتزاوج من نفس النوع باسم حقوق الأقليات وإطلاق الحرية البيولوجية للإنسان، فكان ما خفي هو أن زواج الرجل من الرجل لا ينجب وزواج المرأة من المرأة أيضاً غير منتج، فهذا حتماً إذا تفشى سيحد كثيراً من تزايد اعداد البشر بشكل تلقائي وغير مكلف.. وعاد (تاجر البندقية) من جديد ليؤكد أن المثليين هم جسم طبيعي تماماً في المجتمع، وربما تم تجنيد عدد من مشاهير الأطباء النفسانيين ليعلنوا أمامنا وهم يلوون عنق الحقيقة أن هؤلاء المثليين أناس أسوياء تماماً وانما هي كلها أنواع من الحاجات البيولوجية موجودة في الانسان، ولا عزاء في هذا لضمائرهم العلمية فالمال المدفوع كثير ومعه الحظوة.. وفي سبيل هذا حتى الدين طالبوا بإبعاده عن الحياة العامة للناس بزعمهم أن الله لا ينبغي أن يتدخل في حياة البشر وكيفما يكونون (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً) وأن كثير من الحقوق والحريات تضيع وتهدر لأن أصحاب الدين يكبلون أيدي وأرجل الناس من خلاف بتعاليم السماء.. وهكذا، وبالتأثير المتصاعد لهذه الدعاية انخرط كثير من الشباب بل ومن الناضجين ممن يمنون أنفسهم باكتساب قيمة للذات أو حتى لملء الفراغ الوجداني بمخالفة الشرائع واتباع الشاذ الغريب بدفاعهم عن الحق والحرية في أفعال كأفعال قوم (لوط).. وربما هؤلاء لا يعلمون إلا ظاهر من الأمر ولا يقفون إلا على هامش المفاهيم الجادة والحقائق العميقة، فأصبحوا بذلك كروتاً في لعبة ورق كبرى يلعبها اتباع (مالتوس) ممن يديرون رؤوس الأموال العالمية لقطع أكبر قدر من نسل البشر، ولو أنهم آمنو من قريب أن الله قدر لكل نفس رزقها وبقوله (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) لأخرجوا أنفسهم تواً من لعبة الورق تلك ومن دائرة الاستغلال، فإن الإنسان عندما يكون غراً غافلاً يكون مطية سائغة للاعبين الكبار الممسكين بأوراق اللعب..

الأربعاء، 6 يوليو 2022

سياسة جلد الاخر..

سياسة جلد الاخر .. د. وائل احمد الكردي سياسة جلد الاخر بالسوط .. كانت سياسية معهودة منذ الصراعات الاولى للانسان باعتبارها حملت فائدة بعيدة المدى وعميقة الاثر . لم تكن هذه السياسة مجرد فعل يصدر عن انسان قاس قلبه ، وانما هي بالفعل حالة سياسية واسعة الاستخدام ، في الحاضر كما كانت في الماضي .. تأمل معي هذا النص بعنوان (عصا المعلم من الجنة) لرواية (شللي ، أو قبور في جنة الحب) التي الفها بابداع بارز الكاتب (اندريه موروا) يكشف فيها عن الوجدان الذي تربى عليه اعيان المجتمع البريطاني منذ القرن التاسع عشر ، حيث قال في افتتاحيته للرواية (في عام 1809 ، امر (جورج الثالث) ملك انجلترا بتعيين الدكتور (كيت) ناظرا لكلية (ايتون) الارستقراطية الشهيرة . وكان رجلا قصير القامة ، شديد المراس ، يرى ان التأديب (بالفلقة) هو محطة لا غنى عنها في طريق الكمال . وكان يختم مواعظه بقول (كونوا من أهل الخير يا اولاد ، والا ضربتكم حتى تصيحوا) .. وكان الاعيان والوجهاء والتجار الاثرياء الذين يشرف الدكتور (كيت) على تربية اولادهم ، ينظرون بلا استياء الى مثل هذه القسوة التقية ، ويقدرون بعين الاعتبار رجلا معروفا بأنه جلد اغلب وزراء البلاد واساقفتها وقوادها . وفي تلك الايام ، كان الخاصة من الناس يقرون ضرب التأديب الرادع) .. انتهى النص . والان ، لعله يمكننا القول ان هذه السياسة في جلد الاخر بالسوط كانت تشمل كل مستويات الحياة بدأ من تربية الصغار وحتى علاقات الدول والشعوب .. فنرى في بلادنا كيف ان تعليم الاولاد في المدارس يتم بتربية قاسية ،(الفلقة) فيه تلعب دورا حاسما ، وحتى في مراكز وخلاوي التعليم الديني للصبيان الصغار ذوي الاظافر الناعمة كان تحفيظهم وتفقيههم يتم بالجلد والضرب بقسوة والربط بالحبل والتهديد بالعقاب الشديد من جانب الشيخ او المعلم .. وجميع هؤلاء كانوا يظنون ان هذه الشدة والقسوة هي انسب طريق لغرس العلوم والمعارف في عقل الانسان منذ صغره والى ابواب الجامعة .. ولكن الشيء الذي لم يدركوه انهم مع غرسهم للدروس والتعاليم بهذه الطريقة يغرسون معها في نفوس الطلاب كما مقدرا من العقد النفسية والشعور بالكراهية والتمرد والنقمة على ما تعلموه وربما على الحياة كلها .. وقد ظلت سياسة جلد الاخر على مستوى الامن في احيان كثيرة نوعا من الارهاب والتعسف في العقوبة لمن ارتكب فعلا معينا حتى يرتدع من لم يفكر اصلا في ارتكاب نفس الفعل ، ويمكن قياس هذا على منطق المثل السائد في الثقافة المحلية السودانية (الجفلن خلهن .. اقرع الواقفات) او المثل المصري على ذات السياق (اضرب المربوط .. يخاف السايب) .. ولكأنما في تصورهم ان الانسان جبل على الخطيئة والشر اصلا ولابد من إلزامه طريق الحق والخير عنوة وجبرا بسلخ الجلود وكسر الرؤوس .. اما في مجال سياسات الدول ، فإن هذين المثلين السوداني والمصري ينقلبان في كثير من الاحيان الى العكس ، حيث يكون اعتداء دولة بالجلد على دولة اخرى حرة ، مدعاة لارهاب مواطني هذا البلد المعتدي نفسه وتثبيتا لدعائم حكم من يحكمون فيه .. فلقد كان استخدام (هتلر) لحرب التوسع الاستعماري للعالم بأسم المانيا وباسم علو الجنس الاري هو مخطط يحمل جانبا ظاهرا من الامر هو ذاك ، وجانبا اخر في الخفاء هو تثبيت الحكم النازي في المانيا نفسها تحت اسمه بصورة ابدية .. والان نفس السياسة تمارس في حرب روسيا - اوكرانيا ، حيث تجلد روسيا اوكرانيا بعنف اليوم ، وغدا ستجلد دولا اخرى .. وهذا من اجل استعادة الامبراطورية الروسية تحت ظل البطل الروسي الذي اختاره القدر لذلك ولكن هذه المرة باسمه هو وليس باسم الشيوعية السوفيتية ، وعلى رقاب الشعب الروسي نفسه .. هنا يبدو ان الدافع المحرض لتنفيذ هذا النوع من السياسة هو عشق السلطة ورغبة الجلوس على عرش كبير بخروج الزعيم عن حدود بلاده الى حدود الاخرين بما سيثبت التاريخ له فيما بعد والذكر بين العالمين عهودا وليبقى بعد عمره اعمارا .. فحقا (ان الانسان ليطغى) .. ولكن ، وبرغم ان هذا الجلد للاخر استمر طويلا لاسيما في عصرنا الراهن ، وهو عصر ازهاق الارواح ، فانه قد جعل الوقت الذي ستتحدث فيه الشعوب عن نفسها وليس عن زعمائها يقترب كثيرا ، فالحروب والمآسي الانسانية تصقل الوعي كما تجلى النار الذهب .. وتلك هي البشارة .

مقدمة في نقد الوعي الشعبي

مقدمة في نقد الوعي الشعبي.. د/ وائل أحمد خليل الكردي 1/ في البدء: على منوال قول توفيق الحكيم في كتابه (فن اﻷدب) : (شعور الجماعة نحو موقف من المواقف، وقرارها إذاء مسألة من المسائل .. وهذا الشعور وهذا القرار ينبعان فجأة وفي الوقت عينه، كأنهما خارجان من قلب واحد وعقل واحد .. كأنما هذا الرأي العام إذن كائن مستقل، يخلق ويحبو وينمو .. إلى أن يصبح قوة ناضجة محركة موجهة تؤثر في الدولة والمجتمع). وقوله (من اليسير أن نجد الشعور العام الموحد ... ﻷن الشعور العام يصدر عن الضمير، والضمير قلما يختلف بين إنسان وإنسان). فهكذا هو وصف (الوعي الشعبي) على أقرب تصوير. 2/ نقد الوعي وليس نقد العقل: ربما نقع في مأزق لفظي ودلالي كبير حينما ننسب النقد إلى عقل فرد ما أو فئة اجتماعية أو عرقية أو حالة اعتقادية على نحو من التخصيص. فنقول مثلاً (نقد العقل العربي) أو (نقد العقل اﻷوروبي) أو (نقد العقل الديني)، فالعقل ما هو إلا أداة فطرية وكان أوثق تعبير في وصفه أنه (أعدل اﻷشياء قسمة بين الناس) وهو قول (رينيه ديكارت)، ولذلك فإن كان التخصيص بالوصف العقلي هذا لازماً بتعيين جملة آثار متميزة لكيان ما، فإن ذلك ليس يكون على العقل وإنما على نتائج العقل ونتائج الفعل به. فما هو خاص إذاً بكيان معين إنما هو جملة نتائج ذاتية ترتبت على مقدمات ذاتية صيغت بآلة أو بأداة العقل لدى هذا الكيان، كما صاغ بها غيره نتائجه على مقدماته. فتكون هذه النتائج والمقدمات هي المعبر عنها بوصف (الوعي)، حيث يصح القول (نقد الوعي كذا أوكذا) أحرى وأولى من (نقد العقل كذا أو كذا)، فالوعي شخصي لمجتمع وفرد بينما العقل مشاع لكل البشر على السواء. كل هذا الرأي في التمييز بين مفهومي العقل والوعي الدليل عليه هو قواعد علم المنطق الصوري بكاملها. وربما يبين هذا الدليل خطأ (ايمانويل كانط) الفيلسوف الألماني في تصوره لحقيقة العقل بأن فرض له حدود لا يعمل إلا في حيزها على المستوى النظري، وهو في هذا قد خلط بين مفهومي العقل واﻹدراك، حيث أن العقل (بمعنى آليات المنطق الصوري) يعمل على كل الوقائع في كل المستويات سواء الواقعية أو المتخيلة والطبيعية وما فوق الطبيعية. أما الإدراك فهو الفهم لمعطيات أعطاها التفاعل المنطقي وفق معالجات الترتيب والاستقلال. فالإدراك إذاً هو عملية ذهنية وليست عقلية، إذ أن الذهن يقوم بعمليات الفهم على طريقة القوالب المعرفية ومن ثم اعطاء الدلالات، والفهم هو ادراك المحسوسات، أما العقل فهو العقال الذي يحقق التفاعل والترتيب والاستدلال المنطقي على ما تم فهمه فينتج فهماً جديداً أعلى من الفهم اﻷولي يمكن بما يمكن تسميته (الحكم).. لذلك فكثير من الأساطير والخرافات واﻷحاجي والتصورات الميتافيزيائية تتم معالجتها وفق بناء منطقي سليم في صياغة وقائعها والعلاقات بينها بنفس الطريقة التي يتم بها البناء المنطقي للأشياء في العالم وهذا ربما ما قد ألمح إليه فيلسوف العلم (ثوماس كون) في كتابه (بنية الثورات العلمية) ولكن قد لا يستطيع الفهم اعطاء الدلالة الحقيقية للأساطير وما نحوها ﻷنها لم تدخل إلى الجهاز الادراكي للإنسان عبر آليات الحس التجريبي كما الاشياء الواقعية ولكن التفاعلية العقلية تجعلها متصورة بفعل عمليات القياس والتشبيه والتماثل بين عناصرها ومفردات الاشياء الواقعية، ولكن التهيئة الكلية التي تجتمع فيها هذه العناصر قد لا يكون لها ما يقابلها من تهيئة كلية للأشياء في الواقع ولذلك تصنف كأسطورة أو خرافة أو تصور ميتافيزيائي. لقد صاغ (افلاطون) تصوراً منطقيا محكماً عن عالم متكامل تماماً، هو عالم المثل، ولكنه عالم تجريدي مفارق لعالمنا الواقعي إلا أنه بالرغم من هذه المفارق قد جعله (أفلاطون) مهيمناً ومدبراً وذا سلطة عليا على عالمنا الواقعي، بحيث لا يمكن لديه حكم الجمهورية على اﻷرض إلا بقوانين عالم المثل. إذاً ، فاﻹدراك مع البناء العقلي المنطقي مع الفهم هو ما يؤلف (الوعي)، وهذا الوعي هو متلازمة الشعب، ونوع الوعي هو الذي يميز بين شعب وآخر. 3/ جدلية الثابت والمتحول: ذكر (جيلبرت رايل) Gilbert Ryle في محفل فلسفي حكاية الفلاحين الذين اذهلهم سماع صافرة القطار البخاري وهو يتحرك لأول مرة يشاهدوه فيها ، وكيف أن مطران كنيستهم جمعهم في محاضرة شرح لهم فيها كيف تعمل الآلة البخارية . فقام أحد الفلاحين وقال "نعم سيدي المطران ، نحن قد فهمنا تماماً كل ما قلته عن الآلة البخارية ، وان الحصان صار داخل تلك الآلة يجرها من داخلها، أليس كذلك ؟" . إن هذا الفلاح البسيط لم تيسر له نشأته وبيئته من حوله أن يتصور قط أن تتحرك آلة من غير أن تجرها خيل ، وبالتالي فكل ما قد عناه تطور الآلة البخارية لديه فقط أن الحصان لم يعد يقود القاطرة من الخارج وانما من الداخل ، هذا منتهى ما وصل إليه عقله في الاستدلال، ولعل هذا كان نزوعا طبيعيا لديه ان يميل لقبول ما هو تليد لديه اكثر مما هو وافد، فاكثر الناس يألف ما يأتيه من العالم خارج قريته اذا نظر اليه فقط بمنظور طريقة حياة قريته. ابتداءً بهذا المثال من قول (رايل)، يمكن التعرف على مفهوم الوعي الشعبي وخصائصه من خلال عرض جدلية (الثابت) و(المتحول) وفق الدلالة المنطقية اﻷولية لكل منهما. حيث أن الثابت منطقيا هو (العلاقة) relation القائمة بين متغيرات وهي المحدد للحكم على القضية التي تشمل هذه المتغيرات كما أنها تحدد شكل القضية التي ترد فيها هذه المتغيرات على وجه العموم، فثابت القضية المنطقية هو اﻷرض التي تتعاقب عليها العوامل والمفردات المتغيرة دون أن تتغير هي، وعلى هذا اﻷساس يمكن هنا تنزيل هذه الدلالة للثابت المنطقي على الصورة التكوينية بالنسبة لما هو شعبي وهو هيئة الشعوب والقبائل. وتفسير ذلك أن كلمة (شعب) وكلمة (قبيلة) تمثل كل منها علاقة ثابتة تجمع وتأطر (متغيرات) variables هم (الأفراد) و(الشخوص) في سمات مشتركة تلزم بالضرورة من يتحدث عنهم تصنيفهم جملةً واحدة بما يميزهم عن غيرهم، وعلى الأغلب يصطلح لذلك التصنيف تسمية عرفية تلصق بالشعب المعين أو القبيلة المعينة. أما من جهة الاختلاف بين (شعب) و(قبيلة) فيمكن القول انه محض اختلاف كمي اعتباري أو تقديري – فكلما صغرت الوحدة الاجتماعية كلما كانت الروابط والسمات بين أفرادها أشد وأقوى بنحو أقرب إلى الشكل الأسري أو العائلي وبالتالي فإن الفرد في انتمائه إلى شعب أو قبيلة يكون هذا الانتماء حتمياً وضرورياً لا محالة، فليس من إنسان إلا وهو من أب وأم انتهاءً بأبينا الأول آدم عليه السلام الذي هو النبت الأول من طين الأرض مباشرة على نحو ما نجده في مخيال رواية (حي بن يقظان) لدى ابن طفيل، وهذا العود المستديم إلى الأبوة والأمومة هو ما ألف رباط الشعب أو القبيلة على متوالية تراكمية وهذا ما يجعل الفرد حتى وإن نشأ وأقام في بلد غريب ولم تختلط أنسابه هناك يكون موسوماً بوسم قبيلته أو شعبه الأصل الذي قضى به تسلسل الأبوة والأمومة أن يكون كذلك من الناحية التكوينية والمزاجية والآثار التربوية والثقافية المختلفة. أما المتغير فهو الريح التي تمر على الأرض الواحدة تغدو ولا تعود، ومياه نهر (هيراقليطس) المتجددة إلى ما لا نهاية بين ضفتين ثابتتين. ويمكن أن يشمل ذلك على المستوى الثقافي كل العوامل والعناصر التي تطرأ على الأصول المزاجية والتكوينية لشعب ما. ويمكن هنا اعتماد كلمة (شعب) لتشمل في داخلها مفهوم القبيلة باعتبارها كلمة تدل على دائرة كبرى تتضمن داخلها دائرة صغرى بكون القبيلة حالة من حالات الشعب، والتي وصف جوهرها (توفيق الحكيم) في كتابه (فن الأدب) بقوله (شعور الجماعة نحو موقف من المواقف، وقرارها إزاء مسألة من المسائل.. وهذا الشعور وهذا القرار ينبعان فجأة وفي الوقت عينه، كأنهما خارجان من قلب واحد وعقل واحد.. لكأنما هذا الرأي العام إذن كائن مستقل، يخلق ويحبو وينمو – إلى أن يصبح قوة ناضجة، وحركة موجهة تؤثر في الدولة والمجتمع) ثم يقول (من اليسير أن نجد الشعور العام الموحد... لأن الشعور العام يصدر عن الضمير، والضمير قلما يختلف بين إنسان وإنسان). فهكذا إذاً هي صفة (الوعي الشعبي) على أقرب تصوير. وعلى هذا الميزان، ووفق منطق أن الضد يظهر حسنه الضد، ففي النقطة التي تبلغ عندها ردة فعل شعب معين على ثقافة وافدة عليهم بما يميز مزاج وتكوين هذا الشعب هي بالضبط النقطة التي عندها يمكن وصف سمة (الوعي الشعبي) لديهم. وهي حالة – أي الوعي الشعبي – تبعد تماماً عن كونها حالة لاوعي وإن بدت في صدورها عن الأشخاص على نحو من التلقائية والاندفاع ما يوحي لأول وهلة أن الذي يتحدث هو اللاوعي أو العقل الباطن وليس الوعي أو العقل الواعي. ولعل هذا التحديد يبعد فكرة الوعي الشعبي عن نموذج (جوستاف لوبون) في أقواله عن سيكولوجية الجماهير، إذ أنه – أي (لوبون) – كان اقرب في تناوله لوعي الجماهير إلى نوع من البنيوية التي ترهن العناصر المفردة إلى الكل أو الاطار الكلي الى الدرجة التي لا تسمح بالحرية الكافية لهذه العناصر المفردة فتسير بصورة حتمية لا ارادية ولا ادرية تحت هذا الاطار الكلي. وما ذاك على ما يبدو إلا لأن (لوبون) ينطلق ضمنياً من التمييز النفساني بين وعي ولا وعي، في حين أن الفكرة البديلة التي قد تكون أقرب إلى الحقيقة في تفسير أحوال الانسان الادراكية هي تقسيم هذه الأحوال إلى (وعي إرادي) و(وعي لا ارادي) وليس إلى وعي ولاوعي أو إلى عقل باطن وآخر ظاهر، فكل ما يصدر ادراكياً وسلوكياً عن الانسان هو لا يخرج عن مصطلح (الوعي). فحالة الحلم لدى النائم هي حالة وعي منطقي ولكنه غير ارادي من النائم، وهو لا يفسر بالرجوع إلى رغبات مكبوتة على نحو ما ذهب (سيجموند فرويد) في مدرسة التحليل النفسي، لأن العلاقة السببية بين رغبة معينة ملحة واحداث الأحلام لدى أي شخص في الغالب غير ظاهرة أو ثابتة على النحو المنطقي الاستدلالي في السببية. أما عن حالة (الوعي الارادي) فهو حالة الوعي القصدي التي أسس (ادموند هوسرل) عليها منهجه في الفينومينولوجيا – فهذا الوعي القصدي يركز به الانسان الانتباه نحو موضوع محدد ثم يجري عليه عمليات (العقل الحسابي) reason من استنباط واستقراء، وايضاً يجري عليه عمليات (العقل الانفعالي) mind من ردود الأفعال والتفاعلات النفسية والابداعية. وكلتا العمليتين هما مما يؤلف الحكم على الموضوع كما يؤلف التعبير عن هذا الحكم بقضايا لغوية وعمليات فنية. ويمكن الملاحظة في هذا الحيز فيما يتعلق بالوعي الشعبي أن عمليات العقل الانفعالي فيه هي ما يمثل الثابت، بينما يكون المتحول المصاغ على مقتضى الثابت هو ما ينقلنا بصورة نسقية systematic إلى المبدأ الآخر في تأليف الوعي الشعبي. 4/ تبعية الاعتقاد للميل العاطفي: (لقد قررت الأقدار مصيرك فلا حاجة بك إلى بذل جهد كبير) مقولة أوردها (هاي روتشيلس) في كتابه (التفكير الواضح) عندما كان يتحدث عن العلم والخرافة. ولقد ظهر من هذا كيف أنه حتى في مناطق التحضر المدني كان الوعي الشعبي دائماً يرجع إلى حالة عاطفية انفعالية (العقل الانفعالي) في أخذ الجماهير لكثير من أمور حياتهم رغماً عن المادية الطاغية التي وسمت حياتهم المدنية، فمثلاً ما الذي يدفع كثير من الناس تحضراً يلمسون الخشب الذي قالت عنه الخرافة القديمة أنه فعل لاسترضاء جنية الغابة التي أصبحت حبيسة قطعة من الاثاث عندما قطعت شجرة للانتفاع بخشبها، وكذلك ما الذي يدفع بعض بناة ناطحات السحاب يسقطون الرقم 13 من حسابهم عندما يرقمون طوابق عماراتهم حيث يرفض الكثيرون العمل في المكاتب التي تقع في الدور الثالث عشر من المبنى، ولماذا راجت صفحات قراءة الطالع ومعرفة البخت في أكبر الصحف وقيد لها أشخاص ذوي رواتب معتبرة للقيام عليها بصورة يومية حتى أصبحت من أهم المواد المحفزة على شراء الصحف. كل هذا وغيره مما يدل على أن حتى الثورة الصناعية التي في سياق عصر النهضة والتنوير في اوروبا والتأسيس الكبير للتفكير الوضعي التجريبي البحت كان بعد كل هذه السنوات من تطبيقه الفعلي يمثل حالة متغيرة في الوعي الاوروبي وافدة عليه وليست نابعة من باطنه أو ثوابته التي عبر عنها الوعي الشعبي الاوروبي منذ اساطير الياذة (هوميروس) وعبورا بمسرحيات (شكسبير) الخيالية بنحو (حلم منتصف ليلة صيف) وصولا الى حياة السحرة في قصص (هاري بوتر)، وبين هذا وذاك وتلك ما هو كثير جدا من حكايات وتصورات ومعتقدات العوالم الخرافية. فاذاً، الاعتقاد يتبع الميل العاطفي، هذا إذا صح الاستقراء على (الاعتقاد) كمفهوم بأنه حالة انجذاب لطرف كائن نحو طرف معنوي بدافع شعوري ابتداء يتم تبريره بالمنطق العقلي وربما حتى بالاستدلال الرياضي، أي ان الاعتقاد يتغذى على آليات العقل ويتمدد حتى يتجاوز حالة العقل الفردي الى حالة العقل الجمعي. يأتي ذلك مصداقاً لقول (توفيق الحكيم) في كتابه (فن الأدب) (شعور الجماعة نحو موقف من المواقف، وقرارها ازاء مسألة من المسائل.. وهذا الشعور وهذا القرار ينبعان فجأة وفي الوقت عينه، كأنهما خارجان من قلب واحد وعقل واحد.. كأنما هذا الرأي العام اذن كائن مستق، يخلق ويحبو وينمو - الى ان يصبح قوة ناضجة، محركة موجهة تؤثر في الدولة والمجتمع). فهكذا اذن هو وصف (الوعي الشعبي) على اقرب تصوير.. ومازال (الحكيم) يتحدث (من اليسير ان نجد الشعور العام الموحد... لأن الشعور العام يصدر عن الضمير ، والضمير قلما يختلف بين انسان وانسان). ومن هنا يكون الشاهد في تكوين الضمير الجمعي في حالة القبيلة انها تعتمد في شكلها الاولي على رابطة الدم والعرق المباشر كما في الاسرة او العائلة الواحدة. ولكن تظل القبيلة تتمدد بكثرة تعداد الافراد فيها حتى نكاد نفقد هذا الشكل الاسري او العائلي في مراحل تكوين متقدمة، وهنا - وبعد تجاوز الشكل الاسري للقبيلة - يصبح المحدد الظاهر للانتماء فيها والرابط بين افرادها اكثر الشيء ليس هو رابطة الدم ووحدة العرق وانما حالة الوعي الجمعي المشترك المتمثل في مظاهر الثقافة المحلية التي تشكل وجدان ومزاج هؤلاء الافراد.. وحتى ان القبائل التي مازالت تجتهد في المحافظة على رابطة الدم الاسري رغم تمددها السكاني فانها لا تصطلح على تأكيد النسب على خط الأم مثلما هو واقع في بلاد النوبة شمال السودان وجنوب مصر حيث ينادى الشخص عرفيا بأنه (فلان بن فلانة)، ولعل هذا له وجه اخر فيما اورده (فريدرك انجلز) في كتابه (اصل العائلة) بأن الاساطير الادبية القديمة تحكي عن ان النسب كان يحدد بخط الام وليس خط الاب نسبة لشيوع تعدد الازواج للمرأة الواحدة فيما قبل ما يعرف بالزواج المنظم وحيث لم يكن بدا من ان يتم اثبات وتاكيد النسب للمولود بمرجعه الرحمي وهو امه حيث يكاد يكون الاب مجهولا. وايضا نجد مثالا اخر لذلك في شجرة نسب السيد المسيح في (الانجيل) اذ كان لا محالة الا ان يحسب هذا النسب من جهة الام وحدها. ولكن في حالة النوبيين فبرغم حفاظهم على الشكل الاسري لقبائلهم كمرتكز حضاري اساسي لهم، إلا انهم لم يسلكوا في ذلك بنحو ما قالته الاساطير القديمة من تعدد ازواج المرأة الواحدة بل على العكس تماما كانت الهيئة الاجتماعية للزواج في قبائل النوبيين تعتمد اكثر الشيء على الزوج الواحد للزوجة الواحدة وحتى تعدد الزوجات للرجل الواحد عندهم هو محض استثناء، ولكن التأكيد على الرابطة الرحمية هي التي تعطي في الاساس الشكل الاسري للمجتمعات هناك وتاكيد الاحتفاظ بهذه الرابطة، ولذلك ان كان مسموحا في القانون العرفي للرجل النوبي ان يتزوج من خارج القبيلة مع كراهة ذلك فيها واجرائه في حدود الضرورة والاستثناء الشديد، فان رواج المرأة من رجل خارج القبيلة يكاد يكون امرا ممنوعا على الاغلب. اذن، فاصول الوعي الشعبي لدى بعض القبائل مرجعه الاصلي هو الاحتفاظ بحالة التكوين الاسري لها. في حين ان هناك قبائل اخرى قد انفتحت بنحو كبير تجاه الاخرين لم يقاس فيها بالاساس الوعي الشعبي على الشكل الاسري وانما على التجريد للثقافة المحلية وتوارث عادات وتقاليد أي انماط سلوكية مشتركة تميز طريقتهم في الحياة. 5/ من اسفل الى اعلى: على ما سلف، فان الوعي الشعبي هو مجموعة الطبائع والامزجة النفسية التي شكلت وجدان فئة من الناس بشكل مشترك وليس بشكل فردي بتأثير العوامل الاطارية المحيطة بهذه الفئة من بيئة مشتركة ومقومات حياة ووسائط اتصالية لغوية محكية وحركية. لذلك كان لابد من منهج ما لأجل تنزيل انماط من المتغيرات المختلفة والمستحدثة على شعب معينبخطاب لا يحدث تناقضا مع ثوابت الوعي لدى هذا الشعب. فبالعودة الى التاريخ القريب لرأينا (هتلر) قد نجح في استقطاب قلوب وعزائم وتأييد الشعب الالماني لمحاربة العالم اجمع ليس بما فرضه عليهم من نظم صارمة ولكن بجعلهم يتقبلون هذه النظم بنحو تلقائي بأن اخرج من داخلهم بطريقة التوليد السقراطي ما كانوا يتمنونه لانفسهم ووضعه امام اعينهم بخطبه المشتعلة بالحماسة للعرق الاري الرفيع حين كانوا يتمنون ان يكونوا هم بالفعل الشعب المتفوق ذو العرق الرفيع الاعلى فوق شعوب العالم، لذلك سمعوا له واطاعوا فيما اتاهم به من أمر جديد فالحقوا حتى فتيانهم لخدمة (هتلر) والنازية عبر الانضواء تحت (الشبيبة الهتلرية). ولكن في مقابل ذلك عندما فطنت بريطانيا العظمى متأخرا انه لكي تكسب اراضيها الجديدة في افريقيا واستراليا ان من الضروري ان لا تسقط .على شعوب هذه الاراضي الشكل والنموذج الاجتماعي الاقتصادي من اعلى الى اسفل وانما لابد ان تستنبطه من اسفل الى اعلى بحسب طبيعة كل شعب من شعوب هذه الاراضي، كان الاوان فد فات وفقدت اغلب مستعمراتها في الشرق وافريقيا، فطريقة الحياة المخصوصة لدى اي شعب هي ما يحدد الشكل النموذجي للرسم الاجتماعي والاقتصادي الملائم لها. ولكي يمكن تحقيق هذا النموذج والتأثير فيه لابد ان ياتي الامر بمعايشة مباشرة لداخل طرق الحياة ومجرياتها وتصرفاتها وليس مجرد النظر اليها من خارجها. ولهذا المنهج ايضا جانبه الخطير اذا اخذناه من زاوية اخرى، فنجاح مأساة شعوب اوروبا في عصور الظلام كانت بسبب هذا المنهج وإعماله على احدى ثوابت الوعي الاوروبي الشعبي انذاك وهو ليس ثابت الدين بذاته وانما ثابت العاطفة الدينية او الشعور الديني والانفعال الوجداني به في قلوب وعقول تلك الشعوب، ولكن بدون فهم منطقي وفقهي كاف لاحكام ومقاصد الرسالة الدينية وهذا ما اعطى الفرصة لبعض رجال الدين للسيطرة على هذه الشعوب بقيادتهم من خطام هذه العاطفة الدينية غير المرشدة بعلم، وايضا باستعمال رجال السياسة والملوك في تحقيق هذه السيطرة. وما كان هذا الا حين صدقت تلك الشعوب اولئك الرجال في ادعائهم بالتفويض بالحق الالهي وانهم اوصياء الكتاب المقدس وانهم في الاخير آخذي الاعترافات ومانحي صكوك الغفران. ثم قد تكرر سيناريو حكم الناس بعواطفهم الدينية غير المرشدة بالعلم الحقيقي في مجتمعات مختلفة قديمة ومعاصرة وعلى ديانات متعددة، ولكن ظل مبدأ التسلط والاستغلال باسم الدين واحدا في كل الاحوال. لكن الوجه الايجابي لهذا الامر، ان التغيير والغاء هذا التسلط كان يتم ايضا من خلال تحريك ثوابت الوعي ايضا ليس بتجاوز المسأل الدينية جملة وانما بتوجيه رشيد لنفس تلك العاطفة الدينية. وليس الامر متعلق فقط وانما حتى على المستوى الاجتماعي تأتي الازم باستلاف اشكال التدين اكثر الشيء بنوع من التكلف بالمحاكاة والتقليد وليس ان يأتي طبعا وسجية، فمن الشعوب فمن الشعوب ما تقبل التدين بحقائق العلم ومنها ما تقبله بنوع من التفكير الاسطوري او الخرافي لطبع فيهم على النزوع نحو التخيل والتأمل على ما يند عن الواقع. 6/ الرسالة: الرسالة المستخلصة من كل ما ذكر، هي ان وعي الشعب لابد ان يتم التأثير فيه بأمر ما من داخله الخاص وليس بفرض هذا الامر من خارجه ومن نموذج ثقافي مغاير لثقافته المحلية. وذلك بحيث يكون التغيير المتقادم لهذا الوعي لا يمثل انحرافا عن المسار الطبيعي لهذا الوعي الشعبي وانما يكون نموا وتطورا على ذات السياق الطبيعي لهذا الوعي ولن يتحقق ذلك دون ان يخلق حوله ازمات اجتماعية وسياسية الا برعاية ودراسة واعتبار ما هو ثابت في هذا الوعي الشعبي المعين وما هو متغير ويظهر كلاهما في طريق الحياة لعامة الشعب. ومن هذا المنتهى تنطلق المطالبة بمزيد من الحفاظ على اشكال وطرق الحياة كما هي عليه، وهذا لا يكون الا بمزيد من انتماء حقيقى صادق للافراد والاشخاص نحو قبائلهم وشعوبهم تماما كما انتمائهم لاسرهم. والفرق هنا بين هذه الدعوة للانتماء الى الشعب المحلي والقبيلة وبين الدعوة للشعوبية والقومية والجهوية، هو ان دعوتنا تنافي فكرة التفوق العرقي لعرق على عرق او لقبيلة على قبيلة وهيمنة شعب على شعب وتسلط قومية على قومية او علو ثقافة على ثقافة. فالدعو هنا للحفاظ على الذات دون تفضلها او تفضيلها بميزات على ذوات اخرى، فالكل هناك قائم سواء في هذا العالم، ولعل هذا هو سبيل السلم العالمي وضمان حقوق الانسان، فانت لا تتميز وانما تشارك بهويتك وطريقة حياتك في كل العالم تماما كما يشارك الاخرون، وهذا ما يوصلنا الى تحقيق قول الله تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). انتهى

قضية (مابل سيمور)

قضية (مابل سيمور) ..
د. وائل احمد خليل الكردي (ليس هناك غير طريق واحد، هو استجوابها استجوابا مرهقا عنيفاً، وتوجيه اسئلة تتعلق بالاشياء والامور الصغيرة البسيطة التافهة، وعلى الرغم من ان روايتها تبدو منسجمة في ظاهرها وخطوطها العريضة، لكن هل تستطيع ان تضع النقاط فوق الحروف؟ عليك الا ترحمها، اترك لها حبل الاسئلة، على ما تعلم فهذه هي الطريقة الوحيدة لكسب المعركة) قد لا يمتلك المرء نفسه من الشعور بانه مرهق فعليا اثناء استغراقه في قراءة هذه الرواية الواقعية التي الفها من تجربة حية القاضي الامريكي (داڤيد. و. بيك) تحت عنوان (قضية وصية مسز جرير) والتي تم اقتباس النص المذكور انفا منها.. ومحور القضية هو ان (مسز جرير) والتي اسمها الشخصي (مابل) كانت وصيتها للميراث بعد وفاتها الى جامعة (هارفارد) في حين ان لديها ابن غير الشرعي والذي لم يثبت قانوناً نسبه اليها حيث انها انجبت طفلا في حالة فقر وغموض وقد هجرته لكي تتزوج من رجل غني.. وبالرغم من ان اغلب المحامين لا يقبلون الترافع في قضية الا في مقابل اتعاب محددة الا ان هناك من المحامين -سيما في امريكا- من ينتهز الفرصة للدفاع في قضية كبيرة بحيث انه يساعد الموكل الفقير صاحب الحق في ان يجد من يمثله امام المحاكم ثم يتقاضى اتعابه مؤخرا وهذا ما جرى بالنسبة للمحامي (فريدمان) مع موكلة (هارولد سوجر) والذي كان مطلوبا اثبات نسبه كإبن للمتوفية فيستحق هو الميراث ولا يتوجه الى جامعة (هارفرد)،.. فهذه الرواية تجسد طريقة قضاء المحاكم الامريكية في القضايا المدنية والتي تميزت بانها تجعل من مرافعات المحامين معارك كلامية شديدة القوة والضغط الانفعالي، فمن كان اذن غير (هنري رياض) القانوني السوداني البارز ومعه (كرم شفيق) يمكن له ان يترجمها باقتدار عال مثلما فعلوا هم.. لقد كان الحوار بين المحامين والشهود في الرواية حواراً سقراطيا توليدياًً بامتياز، حيث لم يبني (سقراط) الاغريقي القديم في زمانه يبني فلسفة على دعائم معرفية شاهقة ومكتملة ولكن كان سائحا بين الناس حراً يثير حوارات واسئلة يولد بها المعارف من اجابات من يحاوره فقد كان مؤمناً بمقولته المشهورة (اعرف نفسك) وان الحقيقة تنطوي داخل الانسان ولكنه نسيها فلا يتذكرها الا حين السؤال.. وهكذا يظل يسئل في العمق حتى يصل الى مستقر يطمئن اليه القلب.. وهكذا كان فعل المحامين الامريكان كما في الرواية انهم ينقلون السؤال للشاهد الى مستويات متعددة فيصطدم الشاهد بها ويجيب حالا فيظهر الاتساق او التناقض في اقواله. فيمكن القول ان المحامي الامريكي -كما ظهر في الرواية- يبدو انه ينطلق من الثغرات القانونية ويطرق عليها بتركيز عميق اكثر مما يهدف ويتجه الى النصوص الحكمية المباشرة في القانون.. فتلك الثغرات القانونية تكشف عن فراغات نصية بين كل مادة قانونية واخرى فتترك بذلك المجال مفتوحاً امام المحامين لممارسة الحيل المنطقية والاعيب الاستدلالية بحسب مهارتهم وحذقهم في توجيه الاسئلة بما يجسد حنكة المحامي الامريكي في القضايا المدنية اكثر الشيء.. ولنا ان نقرأ من بين السطور في هذه الرواية ما يصلح ليكون دروساً مستفادة ووصايا.. فقد ظهر من مجريات المرافعة القضائية للخصوم بها ان هناك من الناس من لا تقوم ذاكرتهم ولا يتوجه انتباههم بصدد الوقائع والاحداث الا نحو الابعاد المكانية التي تقع فيها وذلك دون الظرف الزماني فليست تعلق في ذاكزتهم التواريخ ولا يحسبون حساباتهم بالارقام الزمانية عادة، ولكنهم يعملون تركيزهم على التنظيم والترتيب للوقائع في المكان او على طريقة التفكير المكاني وبالتالي ايضاً يدركون الكائنات والاشياء على ظواهرها الكلية كبنية اطارية واحدة دون التدقيق في ملاحظة الجزئيات حيث تأخذ التفاصيل الدقيقة في اذهانهم غالباً شكلا ضبابياً يصعب معه تذكرهم وسردهم اياها، فهولاء الاشخاص من هذا النوع يكون من الأجدى استنطاق روح النصوص القانونية وليس منطوقها المباشر في التعامل مع شهاداتهم واثبات اقولهم.. وكذلك ايضا قد يظهر من وراء سطور الرواية ان المحامين كانت لديهم مهارة يبدو انهم تدربوا عليها جيدا هي استخدام اسلوب التحليل النفسي في اختيار نوع الاسئلة المناسبة الامر الذي يعتمد على مهارة المحقق الذي يقوم بالغوص نحو الصورة الحقيقية للوقائع في عقول من يدلون بشهاداتهم امام المحاكم.. فكم من عدالة تضيع وكم من مظالم تقع على الناس في القضاء فقط لان محاميي الدفاع لا يجيدون فنون طرح السؤال على الشهود في القضايا.. وكم من براءة نالها متهم بجرم كبير جراء حنكة محامي الدفاع في سد الفراغات بين النصوص القانونية باستدلالات منطقية اوحت له به طريقتة في طرح الاسئلة فيقود النصوص نحو صالح المتهم.

الخميس، 2 ديسمبر 2021

الجبارون يحكمهم الضعفاء

الجبارون يحكمهم الضعفاء .. وائل الكردي (الشفقة معناها انفاق مبالغ طائلة من النقود على أناس ضارين وعاملين.. أن المستشفيات والسجون وبيوت المجانين تزخر بأقوى الرجال الذين لا يريدون استعمال قوته، بل يريدون أن يساعدهم أحد على الحياة دون أن يرهقوا انفسهم . لكن لا.. نحن ننصر الضعيف، فإذا جعلنا الضعيف قويا فإن الأقوياء سيفقدون قوتهم، فيركبهم الضعفاء. هذه هي المشكلة، هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى التفكير قبل العمل. كان لابد لنا أن نحصل عليها بعقولنا..)،(مكسيم جوركي) في (جامعياتي أو مع الفلاحين) .. هكذا الضعفاء يسيطرون بافكارهم فكثيرا ما تصدر أفكار القوة والعنف التي كانت اكثر شهرة وتأثيرا على الأقوياء الجبارين عن أناس هم الاشد هشاشة نفسية وضعف في الشخصية والبدن .. وكثيرا ما اغرق مشاهير المصارعة ورياضات القوة الجسدية انفسهم في بناء كتل العضلات بصورة مفرطة وربما هستيرية ليخفوا وراء صورتهم الخارجية ضعف قواهم النفسية ..وكثيرا ما تصدر أفكار ودعوات التعالي على المجتمع وتجاوز الآخرين عن أشخاص غير قادرين أصلا على الاجتماع مع أصناف البشر المختلفين وتعامل الند السوي معهم .. وكثيرا ما يتشبث الغريق بالقشة المنقذة من هو لا يخاف من الموت فقط بل من مجرد فكرة الموت، وهذا منتهى الضعف .. وكم شهدنا في التاريخ اقوى الملوك والاباطرة كيف قادتهم نسائهم الوديعات من وراء الاستار الى هلاك انفسهم وممالكهم.. كان ذلك مثل الفيلسوف( فريدريش نيتشه) الذي الهم (هتلر) اعظم قاتل في التاريخ المعاصر بأفكار القوة والسيادة المطلقة والبطش البالغ فاباد بها ملايين البشر، كان هو - أي(نيتشه) - أضعف الرجال شخصية ووهنا في بنيته النفسية والجسدية حتى أن ضعفه هذا بلغ به إلى الجنون حتى مات .. وفي عهد قريب حدث هذا ايضا للزعيم القائد (جعفر نميري) الذي شهد له الجميع انه كان من اقوى الرجال واشدهم سطوة وباسا ممسكا لزمام الامور ، فكان أن تسلل الاخوان المسلمين بينه وبين عبائته بدس السم الزعاف في دسم الدين والعقيدة السمحة تماما كما يتلبس الجني الضعيف جسد شيخه القوي عندما عاذ به فيراه الناس قويا في حين أنه يتخبطه الجن ويفتنه عن دينه ودنياه، فبطشوا بالشعب بيدي (النميري) وعقدوا حال البلاد حتى استحالت الحياة الكريمة فكرهه الناس وثاروا عليه .. وليس هذا الضعف مقتصر على الأفراد وحدهم ، فهناك مجتمعات باكملها تستتر بضعفها وراء مجتمعات قوية .. وهناك ايضا الصورة مقلوبة لحكومات دول تحاول ان تدعي القوة لنفسها ولكن بداخلها ياكلها الضعف المرير .. فعندما لا تستطيع حكومة ان تضع خطة استراتيجية واضحة لسياساتها ، وعندما تجتهد الحكومة في اسباغ الترضيات والمحاصصات على الفرقاء والخصوم ، وعندما لا يستطيع رأس الأمر أن يحكم إدارته الصارمة على أعضاء حكومته فكل هذا يعني الضعف المنذر بالضياع حيث إن هناك من رجال الحكومة من سيرسم بضعف رئيسه للمجرم سبل الخلاص.. ولم يكن قول الله تعالى (إن خير من استأجرت القوي الامين) قولا بعيدا عن قوة الإدارة والإرادة والعقل فالقوي بحق لا يحتاج الى افكار القسوة والبطش والجبروت التي يرسمها الضعفاء .. فلنحذر اذاً .. أن أخطر البشر هم الضعفاء، سواء الذين يغرقون انفسهم في الضياع بضعفهم او الذين يغرقون مجتمعاتهم معهم بافكارهم عن القوة الزائفة، فوراء كل جبار في الارض بطاش سافك هاتك رجل ضعيف يخط له ما افكت يداه أو انه يفتح له الباب بضعفه ليمر على جثث الأحياء الموتى.. او هكذا يكاد أن يكون الحال .

في صفوف الخبز

في صفوف الخبز.. وائل الكردي في الشارع، تدور الحوارات.. ويتنفس الناس عبر الكلمات والصيحات والاحتجاجات.. في الشارع، يجد الإنسان أصناف وألوان شتى من الآراء والأفهام والانطباعات.. في الشارع، يرضى الناس ويسخطون، وفي كل حال يشعرون بأنفسهم لا يزالون على قيد الحياة.. وكل هذا الذي يدور على قارعات الطرقات يظهر أن القيم في حياة الانسان هي أمر مطلق وواجب وموضوعي فيظن الكثيرون أنها معلومة لدى كل الناس بالضرورة، وأنه بمجرد النطق باسم قيمة ما يقفز إلى الذهن معنى محدد هو نفس المعنى الذي يقفز لديك أنت ولديه هو ولديها هي.. لكن هل هذا هو ما نراه واقعاً في تداول المفاهيم في المجتمعات، وهل معاني ودلالات القيم متفق عليها لدى جميع الناس؟.. يبدو أننا يجب أن نستصحب قول شاعرنا (المعري): (لا تقيد على لفظي فإني .. مثل غيري تكلمي بالمجاز) لقد كشفت مدرسة التحليل اللغوي الفلسفية عن تمييز بين (معنى) أي كلمة وهو ما نتصوره نحن ذهنياً عنها، و(دلالتها) التي هي ما تشير إليه الكلمة في الواقع الخارجي، فليست الكلمات إذاً سوى بطاقات توضع على أشياء، وليست التسميات تنبع من جوهر المسميات.. فلنا أن ننزع البطاقات التي وضعناها على الأشياء ونغير في رسمها ونغمها ثم نعيد الصاقها من جديد على نفس الأشياء، فاستخدام اللغة – أي لغة – هو تماماً كما اللعبة نحن من نصطلح على قواعدها فنتفق فيها ونختلف. وهذا يعني أن اطلاقنا للأحكام والمعاني والدلالات رهيناً بلغة منطقية مثالية كما لغة الرياضيات معلقة فوق رؤوسنا يكفي فقط أن ننظر إليها ونأخذ منها، وإنما اللغة هي محض تفاعل وانفعال وتداول وانطباعات كثيرة، فكل جماعة تغني ليلاها وكل جماعة تتكلم بمجازها.. ولهذا نقول أنه ينبغي بشدة أن نميز بين (مسميات) القيم التي نعتنقها و(مضامين) هذه القيم.. فالحرية والسلام والعدالة هي أسماء لقيم وهي بمثابة بطاقات نتفق على رسمها ونغمها، ولكن عندما نأتي لوضعها على مضامينها والأشياء الي تجسدها فإننا نرى اختلافاً كثيراً، بمعنى أننا نتفق على أن هناك قيم اسمها (الحرية) و(السلام) و(العدالة) و(الهوية) ونتفق على أنها مسميات لأشياء رائعة ومهمة لحياتنا، ولكن إذا سألنا كل إنسان على حده عن معنى أي واحدة منها وما تدل عليه لنحى بنا نحواً مختلفاً عن الأخرين.. نحن يا سادتي من نلون البطاقات اللغوية ونزخرفها ونشكل أطرافها واحجامها وما هو مكتوب عليها، لأننا نحن ولا أحد سوانا كبشر ننتمي إلى شعوب ومجتمعات وحواضر وقرى وبوادي، هكذا (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا).. فإذا قلنا (الحرية) فكما يضع الكريم ذو الأخلاق والدين عليها بطاقته من فضائل الأعمال، كذلك يضع صاحب الرقيق بطاقته عليها بأنها حظوة السادة وخاصتهم دون العبيد، وكذلك يضع المجرمون السفلة بطاقتهم عليها فيقتلون وينهبون ويعثون في الأرض فساداً باسم الحرية، وأيضاً كل ديكتاتور جبار من أمثال (هتلر) و(موسوليني) (ماوتسي تونج) ممن يرون أن الحرية لا تكون للأفراد وانما تكون فقط للجماعات حيث يصبح كل الأفراد رؤوساً في قطعان كما الأنعام.. فبأي بطاقة تصاغ القوانين والتشريعات المقررة والمفسرة للحرية.. وأيضاً هناك من يظنون أن (السلام) لا يأتي إلا بالسلاح، وأخرون يظنون أنه لا يأتي أصلاً بسبب السلاح، وغيرهم يرون أن السلام لا يتحقق إلا باعتلائهم السلطة دون غيرهم.. وكذا الحال مع مفهوم (العدالة) حيث يضع البعض بطاقتها على مبدأ المساواة بين جميع البشر تحت كل الأحوال والظروف، ومنهم من يضعها على ضرورة التمييز الطبقي أو العرقي أو النوعي وهكذا، تحتاج القيم دوماً إلى معايير حتى لا تكون لصالح فئة من الناس دون فئة ولكي تتحقق فرضاً وليس هوىً فيحفظ هذا الميزان الاجتماعي.. ولعل هذه تكون الوظيفة الأساسية للمفكر والمثقف العميق تجاه مجتمعه، ليس بأن يعطي الناس المعاني والدلالات الحقيقية بصورة جاهزة لمسميات القيم لديهم، ولكن لكي يهديهم إلى ما يمكن لهم به أن يستنبطونها بأنفسهم، فتنشأ بذلك قاعدة منطقية مشتركة بينهم ووجدان واحد وهم يطالبون بالحرية والسلام والعدالة.. وحينها تسقط الرموز من الساسة التي لطالما قدسها طوائف من الناس وجعلوهم كأنصاف الهة بحيرتهم وضعف الوعي والثقة وكان ذلك بسبب ما يمنحه أولئك الرموز من دلالات ومعان جاهزة براقة على تلكم القيم.. ولذلك فكما يقاس قدر كبير من الرأي العام في صفوف الخبز كذلك يمكن أن تكون هي محلا لتحقيق قدر كبير من رسالة المثقفين، إذ ليس الأمر رهيناً فحسب بالقرطاس والقلم.

السبت، 10 أبريل 2021

النقاط المبدئية لمحاضرات مادتي (فلسفة وعلم جمال) (علم الجمال)

 النقاط المبدئية لمحاضرات مادتي (فلسفة وعلم جمال) (علم الجمال)

استاذ المادة/  د. وائل أحمد خليل الكردي


١/ إذا كان من المهم ان نتعلم اهم اعلام الفلسفة وابرز مذاهبها، فإن الشيء الاكثر اهمية هو ان نتعلم (كيف نفكر بطريقة فلسفية).


٢/ ولماذا يجب التفكير بطريقة فلسفية؟

من أجل أن نبلغ أقصى مرحلة معرفية وهي تكوين الرؤية التي تمثل اضافة جديدة في أي تخصص علمي معرفي ينتمي إليه الانسان.


٣/ المقصود (بالرؤية) هي تصور ذهني مميز تجاه موضوع معين أو علاقة بين موضوعات. ولذلك فإن اهم خطوة في تحقيق التفكير بطريقة فلسفية هي تكوين (الرؤية الكونية أو الكلية الشاملة) world view على محاور الوجود الأساسية العامة (الانسان، الكون، القيم) وهي مباحث الرئيسية للفلسفة:

مبحث الابستمولوجيا – ويشمل الانسان من حيث هو الكائن المدرك للوجود والقائم بأي معرفة وتحديد اتجاهاتها وتداول هذه المعرفة مع المجتمع.

مبحث الانطولوجيا – وهي كل الكون المحيط بالإنسان سواء كان وجوداً طبيعياً عينياً او وجودا غيبياً فيما يعرف اصطلاحاً (ما وراء الطبيعة).

مبحث الاكسيولوجيا – وهو جميع القيم والمبادئ السلوكية وتشمل القيم الاخلاقية والقيم الجمالية والقيم العدالية وغيرها.

اذن، الفلسفة هي الرؤية التي تربط بين هذه المحاور الثلاث برباط منطقي، ولذلك فهي توصف بأننا رؤية كلية شاملة.


٤/ (الرباط المنطقي) هو المرتكز او المصدر المنهجي الذي تعتمد عليه أي رؤية فط اصدار احكامها وتحديد مذهبها. (فعلم المنطق) هو مجموعة القواعد التي تجعل اصدار أي حكم مبنياً على استدلال سليم وحجة مقنعة تثبت هذا الحكم وتجعله مقبولاً لدى الناس.


٥/ إذا تم توجيه الرؤى الكلية الشاملة نحو قيمة الجمال فهنا يتأسس (علم الجمال) الذي يدرس تحويل القيم الجمالية الفطرية والطبيعية المجردة إلى (ابداع فني) على يد الفنان وتحديد المقاييس والمعايير التي تجعل عمل ما فناً.


٦/ (الابداع الفني) هو رسالة وهدف انساني يرتبط بكافة التفاعلات والانشطة الانسانية البصرية والسمعية والحركية، وهنا تتعدد المذاهب الاي تصنف هذه الإبداعات الفنية وتندرج تحتها وفقاً لنوع الرؤية الكونية الشاملة التي يحكم بها على الفن، وهذه المذاهب هي في الأصل مذاهب فلسفية.


٧/ هناك ثلاث تيارات او اتجاهات فلسفية عامة تصنف في داخلها كافة المذاهب والمدارس الفلسفية او الفكرية ويتم تطبيقها على الاحكام الجمالية الفنية:

أ‌- الاتجاه المثالي العقلي/ ويفترض ان العقل والمعرفة سابق على الوجود المادي وسابق على التجربة الحسية للإنسان وان المعرفة في الاساس معرفة عقلية تستمد من المبادئ العقلية الفطرية المغروسة في الانسان.

ب‌- الاتجاه المادي التجريبي/  ويفترض أن الوجود المادي سابق على العقل وأن المعرفة لدى الإنسان تبدأ وتتكون وتتحدد بالتجربة الحسية فقط، وان ليس هناك اي مجال يمكن الحديث عنه خارج ما ادركناه حسياً.

ت‌- الاتجاه المتجاوز لسؤال المثالية والمادية والانتقال للحديث عن الوعي الانساني بكونه نقط الالتقاء بين العقل والمادة دو تعيين لأسبقية احدهما على الاخر. فكل وعي هو في اي لحظة وعي بشيء ما، فلا يوجد وعي مجرد فارغ عن الموضوعات كما لا يمكن الحديث عن وجود وواقع مادي بدون ادخاله الى حيز الوعي.


٨/ الذي يميز مجال الابداع الجمالي وقيمته عن غيره من القيم الاخرى داخل الرؤية الكلية الشاملة ان الفن يمثل الجانب الضروري المكمل والمتكامل مع المعرفة العلمية، فان كان العلم يؤدي الدور (المعرفي) بالوجود لدى الإنسان فإن الفن هو ما يؤدي الدور (التفاعلي) الانفعالي للإنسان مع هذا الوجود.


٩/ الفنون هي التعبير الحقيقي عن تميز وخصوصية التفاعل الوجداني الحي لكل فرد وكل شعب وكل مجتمع مع الوجود وليس فقط معرفته علمياً به، وهذا التعبير يكون لكل بحسب طريقته في الحياة. ولذلك صار الفن هو لغة التواصل بين الشعوب وبعضها على اختلافها وهو مجال توثيق الاتصال الحضاري للأجيال التاريخية للشعب الواحد منذ القديم وحتى الحديث والمعاصر.


١٠/ الممارسة الفنية الابداعية تلهم وتغذي الرؤية الكونية الكلية الشاملة.. والرؤية الكونية الكلية الشاملة توجه وتنظم الممارسة الفنية الابداعية. 


الأشجار لا تهاجر

 الأشجار لا تهاجر.. 


وائل الكردي


(لا تحاول أن تحمل شجرتك معك إلى الغربة كي تحظى بظلها.. لان الأشجار لا تهاجر)

اقتبسها (دريد لحام) عن اﻷديبة (غادة السمان) ليقول لنا، أن الأم اذا مرضت، هل نبدلها بغيرها ام نظل معها وبين يديها حتى تشفى؟ فكما ان الام واحدة لا تتكرر ولا تستبدل فالوطن ايضا كذلك.. ومؤخرا كتب (احمد الكردي) رحمه الله، عن الشجرة الام وكيف انها وقفت هناك عشرات السنين ليمر بها ملايين البشر من كل لون وملة بكل تجاربهم وخبراتهم وما لهم وما عليهم، ثم يرحلون، ليمر عليها بعدهم غيرهم.. وتظل هي واقفة صامتة شاهدة على مآسي البشر واحزانهم وافراحهم وضحكاتهم الصادقة والكاذبة والزيف فيهم والحقيقة.. هكذا هي أشجار الوطن الام ترقب كل صغير وكل كبير وتشهد علينا بصمتها كما ستشهد علينا جلودنا بنطقها، ترى منا العذاب والالم الكثير ويمتلئ لحائها بضربات الفؤوس ولطمات العصي وطعن السكاكين وغرس المسامير ولكنها لا تظهر انينا ولا شكوى ولا تمنع ثمرها وظلها.. ورغم كل ذلك فإنها اذا مرضت يسارعون في الغالب إلى بترها أو اقتلاعها ليزرعوا مكانها جديدا، ولو انهم صبروا واهتموا لربما تعافت من قريب. 

هناك على شارع النيل أشجار تجاوزت اعمارها المئة ونيف ومازالت تقف قوية تحب هذه الأرض وتبذل فيها جهدها.. لذلك يتعلم أشبال الكشافة منذ نعومة اظفارهم ان يربوا انفسهم على الشعار (ابذل جهدك) حتى ينمو الواحد فيهم وهاتف في أذنيه يطرق (ابذل جهدك) كلما هم بيأس من ضيق حال، وما دام في الجهد بقية تبذل فالتبذل.. ولكن من حسبوا أن الوطن بأشجاره هو من يجب أن يعطي ثمرا، ظلا، حطبا.. وان الانسان هو فقط من يأخذ، فأولئك لم يكونوا يوما من أشبال الكشافة وهم اول من يقطعون جذورهم ويستبدلوه بغيره وهم يلقون وراء ظهورهم للناس هنا بكلمة جارحة (تلك الحفرة..  تركناها لكم) ،  ولكن ما أعظم هذه الحفرة حينما تخبئ الانسان في جوفها حال انهمار الرصاص وهطول القذائف، وما اعظم جرم هؤلاء فإنهم يقتلون الوطن بكلماتهم، أما كان لهم ان يرحلوا بصمت ولا ضرر ولا ضرار.. ثم يأتي بعد ذلك في المحافل من يصدر احكامه على الناس إخوته في الوطن بانهم كلهم أو جلهم كذابون غشاشون قساة منافقون طماعون.. الانه هو كذلك اراد الناس كلهم مثله.. هل كل الذين يمشون على التراب العيي هم كذلك، هل كل الكادحون الصابرون الحامدون لرزقهم الضئيل هم كذلك، هل كل العابدون الساجدون لربهم في الجوامع واخبية الدور هم كذلك، هل كل القابضون على الجمر بأيديهم يتوجعون بصمت وبغير شكوى هم كذلك، هل كل من هب ثائرا لأجل وطنه واحتضن الأشجار بدمائه ومات تحتها هو كذلك، ما لكم كيف تحكمون.. الم يقل الله تعالى (كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض) وليس الزبد الكثيف على وجه البحر بشيء امام كنوز الأرض عددا وقيمة، والناس في بلادي فيهم من هو كزبد البحر وفيهم ايضا من هو كنز من كنوز الأرض ولكننا فقط نسارع إلى اليأس واسقاط الهمة بهول مرأى الزبد في كثرته فنحسب انه الاصل في الناس والمجتمع ولا ندرك ان هذا الزبد راحل وغير مستقر،  وانه علينا أن نكابد مشقة الغوص إلى ما ينفع الناس تحت هذا الزبد الراحل وذلك هو الكبد الرسالي المثمر، فإذا رحلنا معه إلى بلاد جديدة لنزرع فيها اشجارنا لربما وجدنا أنفسنا هناك أجسام شاذة دخيلة لا يحسب القوم فيها لنا حسابا ولا تصبح يوما هي وطن، وسنكابد ايضا ولكن فقط لأجل ان نطعم ونشرب كما البهائم والانعام.. ولعلي لا اكون مخطئا اذا قلت ان الله خلق لنا الاوطان لكي تكون محطا وحقلا لرسالتنا في الحياة وعطائنا وكبدنا وليس لكي ننتظر منها ان تعطينا هي، فبأي شيء إذاً سيكون الفوز في الدار الآخرة اذا ظللنا نُعطى ولا نعطي.. 

أما عن هذا الزبد من الناس الذي يذهب جفاء على وجه الاوطان فهم أولئك الضائعين بجرمهم كمثل شخصية (العم بيو) في رواية (جسر سان لويس ري) لمؤلفها (ثورنتون وايلدر) حيث جاء في سيرته السيئة (ويقف بأبواب الفنادق الراقية ليهمس إلى المسافرين ببعض الانباء ولم تكن خديعته لهؤلاء المسافرين تزيد في بعض الأحيان على أن يخبرهم ان بيتا نبيلا قد اضطر إلى بيع صحافه الفضية. وهكذا يقبض ثمن الخديعة من الصائغ صاحب تلك الصحاف، وكان كثير التردد على جميع المسارح ويستطيع ان يصفق كما يصفق عشرة مجتمعون. وكان ينشر الفضائح ويبيع ما يدور حول المحصولات الزراعية واثمان الأراضي من شائعات. وبين العشرين والثلاثين اصبحت خدماته معترفا بها في الدوائر العليا، فارسلته الحكومة إلى المناطق الجبلية ليثبط من عزيمة بعض الثوار المترددين، إلى أن تصل قوات الحكومة فتسحقهم بلا تردد).. فأمثال هذا اذاً ليسوا ابناء شرعيين لاوطانهم ويكون من الخير لهذه الاوطان رحيلهم كرحيل الزبد.. 

لقد اذن الله للقلة المستضعفين من الناس لا يملكون قوة ولا حيلة بالهجرة في الأرض، ولكن إذا صار اكثر الشعب تحت ضيق العيش والفقر وقهر السلطة وأصبح المال دولة بين القلة الغنية فهنا يتطلب الامر جهادا وثورة، ثورة على طغيان السلطة الغاشمة فالحاكم ان قتل وسفك الدماء وسرق المال العام وافسد في الأرض خرج من حاكميته ولم تبقى له في عنق احد منهم بيعة الا لدى من حذا حذوه وانتفع بفعله.. وثورة أخرى بضرب المعاول على الأرض لتنبت البترول الاخضر..  وثورة غيرها على اهلاك الحرث والنسل بالتلوث البيئي جراء استعمال طاقة المحروقات واستبدالها بطاقة الشمس والماء.. ولنضع اخيرا في احد الارفف أو الأركان البعيدة قول الشاعر (نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا) وان نستعمل قول الرسول العظيم (الخير في امتي). 


ما وراء لوحة (مايكل انجلو)

 ما وراء لوحة (مايكل انجلو) ..


       وائل الكردي


لوحة (مايكل انجلو) المسماة (خلق آدم) هي من ابرز لوحات العالم رمزية وشهرة.. فيها رجل وقور في عباءته غلمان كثر ويمد اصبعه لرجل آخر كأنما هو نوع من الاتصال او الالتقاط.. 

لسنا بصدد البحث في نقد العقائد والاديان وانما فقط اكتشاف منطق كل فئة في تبرير مواقفها.. ولنبدأ بالسؤال التالي : قتل اليهود المسيح، أو هكذا كان ظنهم، فلماذا أرادوا ذلك؟.. لنعد اذاً الى الوراء كثيراً حيث (سفر التكوين) في العهد القديم (التوراة) وهو سفر قصة الخلق، يقول في الاصحاح الاول (وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.. فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه).. ثم قال أيضا في الاصحاح الثالث (وقال الرب الاله هوذا الانسان قد صار كواحد منا عارفا بالخير والشر..) أي توفرت فيه دلالة الصورة الالهية بمعرفته الخير والشر بفعل أكله من الشجرة المحرمة. 

فكتاب اليهود يجعل الانسان تماما على صورة الله تماما كأنما هو هيئة العجين يأخذ صورة القالب حينما كان ليناً فيخرج يابساً على هيئته..

وعلى ضفة النهر الاخرى يقول المسيحيون كذلك أن المسيح هو ابن الله وأن ثالوث الآب والابن والروح القدس هم علي هيئة الواحد رغم انقسامهم، فيكون كما هو ظل الانسان على الارض، هو له ولكنه ليس هو.. حتى هنا لا ينشأ خلاف بين صورة الله وصورة الانسان في العهد القديم ( التوراة ) وصورة الله وصورة الانسان في العهد الجديد (الانجيل).. فإذا كان الحال ان المسيحية تؤمن بالكتاب المقدس كله توراته وانجيله فمن المنطقي الطبيعي إذاً ان يكون ابن الرب لديهم على نفس صورة الاب وان صورة كل الناس هي على صورة الله.. فاين السبب الخفي لقتل اليهود للمسيح برغم اتفاقهم في عقيدة الخلق؟.. ربما السبب هو ان ما اراده اليهود كشعب كامل مختار لله من بين جميع البشر والذي هو فئة اليهود من بني اسرائيل، قد جعله المسيحيين رجلاً فرداً واحداً فقط هو المسيح وليس شعب مخصوص بأكمله، فيفسد هذا زريعة اليهود في تبرير العلو في الأرض فوق الأمم كمطلب شرعي لهم بكونهم – اي اليهود – خاصة الله وشعبه المختار، ولكن المسيحيين جعلوا جميع شعوب الأرض احباء الله وجعلوا المختار الخاص لديه هو رجل واحد فقط هو (المسيح بن مريم).. ليصير هذا التعرض تعارض مصلحة اكثر من كونه تعارض عقيدة..

(مايكل انجلو) مسيحي كاثوليكي ينطلق من مسلمة ان الانسان خلق على صورة الله، فرسم لوحته  تصحيحا للموقف اليهودي بأن الله في تصوره يلتقط كل فرد من خلقه نحو جواره وملكوته كما ظهر في لوحته وليس يلتقط شعباً واحداً دون باقي الشعوب، فتكون اللوحة في هذا التفسير ترجمة لعقيدة الخلاص المسيحي وليست اثباتاً أن الله والانسان هما على صورة واحدة.

وعندما تعرض لنا هذه اللوحة  نحن المسلمين فلعلها تكون مناسبة للتفكر والنقد بأن نسأل انفسنا ابتداء (أين نحن من هذا الاعتقاد؟) فيعلم السائل فينا حينئذ أن الاسلام يخرجنا من هذا الخلاف كله بقول واحد أن الله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فحتى عندما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله (خلق الله آدم على صورته طوله ستون زراعا) فلعل المقصد أن الله خلق آدم على صورته التي هو عليها فعلاً أي صورة وهيئة آدم وليس على صورة وهيئة الله تعالى..

ولهذا نقول مع علماء المنطق العملي انه من اقوى سبل التعلم رسوخا في الذهن والوجدان ما يخرج من بين الاضداد بصناعة الحجة في تجاوز الضد وضده . وهنا يقولون انه بضدها تتميز الاشياء، فيكون اختلاف المواقف مدعاة لترسيخ الاعتقاد فيما نعتقد وبما تحقق لدينا من الحكمة فيه  وليس بالاعتقاد في عقيدة الاخرين.. وهذا ما يقرر أن الحجة الثابتة لا تأتي الا من ثنايا ادراكنا بما لدى الاخرين.