الأربعاء، 6 يوليو 2022

سياسة جلد الاخر..

سياسة جلد الاخر .. د. وائل احمد الكردي سياسة جلد الاخر بالسوط .. كانت سياسية معهودة منذ الصراعات الاولى للانسان باعتبارها حملت فائدة بعيدة المدى وعميقة الاثر . لم تكن هذه السياسة مجرد فعل يصدر عن انسان قاس قلبه ، وانما هي بالفعل حالة سياسية واسعة الاستخدام ، في الحاضر كما كانت في الماضي .. تأمل معي هذا النص بعنوان (عصا المعلم من الجنة) لرواية (شللي ، أو قبور في جنة الحب) التي الفها بابداع بارز الكاتب (اندريه موروا) يكشف فيها عن الوجدان الذي تربى عليه اعيان المجتمع البريطاني منذ القرن التاسع عشر ، حيث قال في افتتاحيته للرواية (في عام 1809 ، امر (جورج الثالث) ملك انجلترا بتعيين الدكتور (كيت) ناظرا لكلية (ايتون) الارستقراطية الشهيرة . وكان رجلا قصير القامة ، شديد المراس ، يرى ان التأديب (بالفلقة) هو محطة لا غنى عنها في طريق الكمال . وكان يختم مواعظه بقول (كونوا من أهل الخير يا اولاد ، والا ضربتكم حتى تصيحوا) .. وكان الاعيان والوجهاء والتجار الاثرياء الذين يشرف الدكتور (كيت) على تربية اولادهم ، ينظرون بلا استياء الى مثل هذه القسوة التقية ، ويقدرون بعين الاعتبار رجلا معروفا بأنه جلد اغلب وزراء البلاد واساقفتها وقوادها . وفي تلك الايام ، كان الخاصة من الناس يقرون ضرب التأديب الرادع) .. انتهى النص . والان ، لعله يمكننا القول ان هذه السياسة في جلد الاخر بالسوط كانت تشمل كل مستويات الحياة بدأ من تربية الصغار وحتى علاقات الدول والشعوب .. فنرى في بلادنا كيف ان تعليم الاولاد في المدارس يتم بتربية قاسية ،(الفلقة) فيه تلعب دورا حاسما ، وحتى في مراكز وخلاوي التعليم الديني للصبيان الصغار ذوي الاظافر الناعمة كان تحفيظهم وتفقيههم يتم بالجلد والضرب بقسوة والربط بالحبل والتهديد بالعقاب الشديد من جانب الشيخ او المعلم .. وجميع هؤلاء كانوا يظنون ان هذه الشدة والقسوة هي انسب طريق لغرس العلوم والمعارف في عقل الانسان منذ صغره والى ابواب الجامعة .. ولكن الشيء الذي لم يدركوه انهم مع غرسهم للدروس والتعاليم بهذه الطريقة يغرسون معها في نفوس الطلاب كما مقدرا من العقد النفسية والشعور بالكراهية والتمرد والنقمة على ما تعلموه وربما على الحياة كلها .. وقد ظلت سياسة جلد الاخر على مستوى الامن في احيان كثيرة نوعا من الارهاب والتعسف في العقوبة لمن ارتكب فعلا معينا حتى يرتدع من لم يفكر اصلا في ارتكاب نفس الفعل ، ويمكن قياس هذا على منطق المثل السائد في الثقافة المحلية السودانية (الجفلن خلهن .. اقرع الواقفات) او المثل المصري على ذات السياق (اضرب المربوط .. يخاف السايب) .. ولكأنما في تصورهم ان الانسان جبل على الخطيئة والشر اصلا ولابد من إلزامه طريق الحق والخير عنوة وجبرا بسلخ الجلود وكسر الرؤوس .. اما في مجال سياسات الدول ، فإن هذين المثلين السوداني والمصري ينقلبان في كثير من الاحيان الى العكس ، حيث يكون اعتداء دولة بالجلد على دولة اخرى حرة ، مدعاة لارهاب مواطني هذا البلد المعتدي نفسه وتثبيتا لدعائم حكم من يحكمون فيه .. فلقد كان استخدام (هتلر) لحرب التوسع الاستعماري للعالم بأسم المانيا وباسم علو الجنس الاري هو مخطط يحمل جانبا ظاهرا من الامر هو ذاك ، وجانبا اخر في الخفاء هو تثبيت الحكم النازي في المانيا نفسها تحت اسمه بصورة ابدية .. والان نفس السياسة تمارس في حرب روسيا - اوكرانيا ، حيث تجلد روسيا اوكرانيا بعنف اليوم ، وغدا ستجلد دولا اخرى .. وهذا من اجل استعادة الامبراطورية الروسية تحت ظل البطل الروسي الذي اختاره القدر لذلك ولكن هذه المرة باسمه هو وليس باسم الشيوعية السوفيتية ، وعلى رقاب الشعب الروسي نفسه .. هنا يبدو ان الدافع المحرض لتنفيذ هذا النوع من السياسة هو عشق السلطة ورغبة الجلوس على عرش كبير بخروج الزعيم عن حدود بلاده الى حدود الاخرين بما سيثبت التاريخ له فيما بعد والذكر بين العالمين عهودا وليبقى بعد عمره اعمارا .. فحقا (ان الانسان ليطغى) .. ولكن ، وبرغم ان هذا الجلد للاخر استمر طويلا لاسيما في عصرنا الراهن ، وهو عصر ازهاق الارواح ، فانه قد جعل الوقت الذي ستتحدث فيه الشعوب عن نفسها وليس عن زعمائها يقترب كثيرا ، فالحروب والمآسي الانسانية تصقل الوعي كما تجلى النار الذهب .. وتلك هي البشارة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق