ما وراء لوحة (مايكل انجلو) ..
وائل الكردي
لوحة (مايكل انجلو) المسماة (خلق آدم) هي من ابرز لوحات العالم رمزية وشهرة.. فيها رجل وقور في عباءته غلمان كثر ويمد اصبعه لرجل آخر كأنما هو نوع من الاتصال او الالتقاط..
لسنا بصدد البحث في نقد العقائد والاديان وانما فقط اكتشاف منطق كل فئة في تبرير مواقفها.. ولنبدأ بالسؤال التالي : قتل اليهود المسيح، أو هكذا كان ظنهم، فلماذا أرادوا ذلك؟.. لنعد اذاً الى الوراء كثيراً حيث (سفر التكوين) في العهد القديم (التوراة) وهو سفر قصة الخلق، يقول في الاصحاح الاول (وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.. فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه).. ثم قال أيضا في الاصحاح الثالث (وقال الرب الاله هوذا الانسان قد صار كواحد منا عارفا بالخير والشر..) أي توفرت فيه دلالة الصورة الالهية بمعرفته الخير والشر بفعل أكله من الشجرة المحرمة.
فكتاب اليهود يجعل الانسان تماما على صورة الله تماما كأنما هو هيئة العجين يأخذ صورة القالب حينما كان ليناً فيخرج يابساً على هيئته..
وعلى ضفة النهر الاخرى يقول المسيحيون كذلك أن المسيح هو ابن الله وأن ثالوث الآب والابن والروح القدس هم علي هيئة الواحد رغم انقسامهم، فيكون كما هو ظل الانسان على الارض، هو له ولكنه ليس هو.. حتى هنا لا ينشأ خلاف بين صورة الله وصورة الانسان في العهد القديم ( التوراة ) وصورة الله وصورة الانسان في العهد الجديد (الانجيل).. فإذا كان الحال ان المسيحية تؤمن بالكتاب المقدس كله توراته وانجيله فمن المنطقي الطبيعي إذاً ان يكون ابن الرب لديهم على نفس صورة الاب وان صورة كل الناس هي على صورة الله.. فاين السبب الخفي لقتل اليهود للمسيح برغم اتفاقهم في عقيدة الخلق؟.. ربما السبب هو ان ما اراده اليهود كشعب كامل مختار لله من بين جميع البشر والذي هو فئة اليهود من بني اسرائيل، قد جعله المسيحيين رجلاً فرداً واحداً فقط هو المسيح وليس شعب مخصوص بأكمله، فيفسد هذا زريعة اليهود في تبرير العلو في الأرض فوق الأمم كمطلب شرعي لهم بكونهم – اي اليهود – خاصة الله وشعبه المختار، ولكن المسيحيين جعلوا جميع شعوب الأرض احباء الله وجعلوا المختار الخاص لديه هو رجل واحد فقط هو (المسيح بن مريم).. ليصير هذا التعرض تعارض مصلحة اكثر من كونه تعارض عقيدة..
(مايكل انجلو) مسيحي كاثوليكي ينطلق من مسلمة ان الانسان خلق على صورة الله، فرسم لوحته تصحيحا للموقف اليهودي بأن الله في تصوره يلتقط كل فرد من خلقه نحو جواره وملكوته كما ظهر في لوحته وليس يلتقط شعباً واحداً دون باقي الشعوب، فتكون اللوحة في هذا التفسير ترجمة لعقيدة الخلاص المسيحي وليست اثباتاً أن الله والانسان هما على صورة واحدة.
وعندما تعرض لنا هذه اللوحة نحن المسلمين فلعلها تكون مناسبة للتفكر والنقد بأن نسأل انفسنا ابتداء (أين نحن من هذا الاعتقاد؟) فيعلم السائل فينا حينئذ أن الاسلام يخرجنا من هذا الخلاف كله بقول واحد أن الله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فحتى عندما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله (خلق الله آدم على صورته طوله ستون زراعا) فلعل المقصد أن الله خلق آدم على صورته التي هو عليها فعلاً أي صورة وهيئة آدم وليس على صورة وهيئة الله تعالى..
ولهذا نقول مع علماء المنطق العملي انه من اقوى سبل التعلم رسوخا في الذهن والوجدان ما يخرج من بين الاضداد بصناعة الحجة في تجاوز الضد وضده . وهنا يقولون انه بضدها تتميز الاشياء، فيكون اختلاف المواقف مدعاة لترسيخ الاعتقاد فيما نعتقد وبما تحقق لدينا من الحكمة فيه وليس بالاعتقاد في عقيدة الاخرين.. وهذا ما يقرر أن الحجة الثابتة لا تأتي الا من ثنايا ادراكنا بما لدى الاخرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق