السبت، 10 أبريل 2021

النقاط المبدئية لمحاضرات مادتي (فلسفة وعلم جمال) (علم الجمال)

 النقاط المبدئية لمحاضرات مادتي (فلسفة وعلم جمال) (علم الجمال)

استاذ المادة/  د. وائل أحمد خليل الكردي


١/ إذا كان من المهم ان نتعلم اهم اعلام الفلسفة وابرز مذاهبها، فإن الشيء الاكثر اهمية هو ان نتعلم (كيف نفكر بطريقة فلسفية).


٢/ ولماذا يجب التفكير بطريقة فلسفية؟

من أجل أن نبلغ أقصى مرحلة معرفية وهي تكوين الرؤية التي تمثل اضافة جديدة في أي تخصص علمي معرفي ينتمي إليه الانسان.


٣/ المقصود (بالرؤية) هي تصور ذهني مميز تجاه موضوع معين أو علاقة بين موضوعات. ولذلك فإن اهم خطوة في تحقيق التفكير بطريقة فلسفية هي تكوين (الرؤية الكونية أو الكلية الشاملة) world view على محاور الوجود الأساسية العامة (الانسان، الكون، القيم) وهي مباحث الرئيسية للفلسفة:

مبحث الابستمولوجيا – ويشمل الانسان من حيث هو الكائن المدرك للوجود والقائم بأي معرفة وتحديد اتجاهاتها وتداول هذه المعرفة مع المجتمع.

مبحث الانطولوجيا – وهي كل الكون المحيط بالإنسان سواء كان وجوداً طبيعياً عينياً او وجودا غيبياً فيما يعرف اصطلاحاً (ما وراء الطبيعة).

مبحث الاكسيولوجيا – وهو جميع القيم والمبادئ السلوكية وتشمل القيم الاخلاقية والقيم الجمالية والقيم العدالية وغيرها.

اذن، الفلسفة هي الرؤية التي تربط بين هذه المحاور الثلاث برباط منطقي، ولذلك فهي توصف بأننا رؤية كلية شاملة.


٤/ (الرباط المنطقي) هو المرتكز او المصدر المنهجي الذي تعتمد عليه أي رؤية فط اصدار احكامها وتحديد مذهبها. (فعلم المنطق) هو مجموعة القواعد التي تجعل اصدار أي حكم مبنياً على استدلال سليم وحجة مقنعة تثبت هذا الحكم وتجعله مقبولاً لدى الناس.


٥/ إذا تم توجيه الرؤى الكلية الشاملة نحو قيمة الجمال فهنا يتأسس (علم الجمال) الذي يدرس تحويل القيم الجمالية الفطرية والطبيعية المجردة إلى (ابداع فني) على يد الفنان وتحديد المقاييس والمعايير التي تجعل عمل ما فناً.


٦/ (الابداع الفني) هو رسالة وهدف انساني يرتبط بكافة التفاعلات والانشطة الانسانية البصرية والسمعية والحركية، وهنا تتعدد المذاهب الاي تصنف هذه الإبداعات الفنية وتندرج تحتها وفقاً لنوع الرؤية الكونية الشاملة التي يحكم بها على الفن، وهذه المذاهب هي في الأصل مذاهب فلسفية.


٧/ هناك ثلاث تيارات او اتجاهات فلسفية عامة تصنف في داخلها كافة المذاهب والمدارس الفلسفية او الفكرية ويتم تطبيقها على الاحكام الجمالية الفنية:

أ‌- الاتجاه المثالي العقلي/ ويفترض ان العقل والمعرفة سابق على الوجود المادي وسابق على التجربة الحسية للإنسان وان المعرفة في الاساس معرفة عقلية تستمد من المبادئ العقلية الفطرية المغروسة في الانسان.

ب‌- الاتجاه المادي التجريبي/  ويفترض أن الوجود المادي سابق على العقل وأن المعرفة لدى الإنسان تبدأ وتتكون وتتحدد بالتجربة الحسية فقط، وان ليس هناك اي مجال يمكن الحديث عنه خارج ما ادركناه حسياً.

ت‌- الاتجاه المتجاوز لسؤال المثالية والمادية والانتقال للحديث عن الوعي الانساني بكونه نقط الالتقاء بين العقل والمادة دو تعيين لأسبقية احدهما على الاخر. فكل وعي هو في اي لحظة وعي بشيء ما، فلا يوجد وعي مجرد فارغ عن الموضوعات كما لا يمكن الحديث عن وجود وواقع مادي بدون ادخاله الى حيز الوعي.


٨/ الذي يميز مجال الابداع الجمالي وقيمته عن غيره من القيم الاخرى داخل الرؤية الكلية الشاملة ان الفن يمثل الجانب الضروري المكمل والمتكامل مع المعرفة العلمية، فان كان العلم يؤدي الدور (المعرفي) بالوجود لدى الإنسان فإن الفن هو ما يؤدي الدور (التفاعلي) الانفعالي للإنسان مع هذا الوجود.


٩/ الفنون هي التعبير الحقيقي عن تميز وخصوصية التفاعل الوجداني الحي لكل فرد وكل شعب وكل مجتمع مع الوجود وليس فقط معرفته علمياً به، وهذا التعبير يكون لكل بحسب طريقته في الحياة. ولذلك صار الفن هو لغة التواصل بين الشعوب وبعضها على اختلافها وهو مجال توثيق الاتصال الحضاري للأجيال التاريخية للشعب الواحد منذ القديم وحتى الحديث والمعاصر.


١٠/ الممارسة الفنية الابداعية تلهم وتغذي الرؤية الكونية الكلية الشاملة.. والرؤية الكونية الكلية الشاملة توجه وتنظم الممارسة الفنية الابداعية. 


الأشجار لا تهاجر

 الأشجار لا تهاجر.. 


وائل الكردي


(لا تحاول أن تحمل شجرتك معك إلى الغربة كي تحظى بظلها.. لان الأشجار لا تهاجر)

اقتبسها (دريد لحام) عن اﻷديبة (غادة السمان) ليقول لنا، أن الأم اذا مرضت، هل نبدلها بغيرها ام نظل معها وبين يديها حتى تشفى؟ فكما ان الام واحدة لا تتكرر ولا تستبدل فالوطن ايضا كذلك.. ومؤخرا كتب (احمد الكردي) رحمه الله، عن الشجرة الام وكيف انها وقفت هناك عشرات السنين ليمر بها ملايين البشر من كل لون وملة بكل تجاربهم وخبراتهم وما لهم وما عليهم، ثم يرحلون، ليمر عليها بعدهم غيرهم.. وتظل هي واقفة صامتة شاهدة على مآسي البشر واحزانهم وافراحهم وضحكاتهم الصادقة والكاذبة والزيف فيهم والحقيقة.. هكذا هي أشجار الوطن الام ترقب كل صغير وكل كبير وتشهد علينا بصمتها كما ستشهد علينا جلودنا بنطقها، ترى منا العذاب والالم الكثير ويمتلئ لحائها بضربات الفؤوس ولطمات العصي وطعن السكاكين وغرس المسامير ولكنها لا تظهر انينا ولا شكوى ولا تمنع ثمرها وظلها.. ورغم كل ذلك فإنها اذا مرضت يسارعون في الغالب إلى بترها أو اقتلاعها ليزرعوا مكانها جديدا، ولو انهم صبروا واهتموا لربما تعافت من قريب. 

هناك على شارع النيل أشجار تجاوزت اعمارها المئة ونيف ومازالت تقف قوية تحب هذه الأرض وتبذل فيها جهدها.. لذلك يتعلم أشبال الكشافة منذ نعومة اظفارهم ان يربوا انفسهم على الشعار (ابذل جهدك) حتى ينمو الواحد فيهم وهاتف في أذنيه يطرق (ابذل جهدك) كلما هم بيأس من ضيق حال، وما دام في الجهد بقية تبذل فالتبذل.. ولكن من حسبوا أن الوطن بأشجاره هو من يجب أن يعطي ثمرا، ظلا، حطبا.. وان الانسان هو فقط من يأخذ، فأولئك لم يكونوا يوما من أشبال الكشافة وهم اول من يقطعون جذورهم ويستبدلوه بغيره وهم يلقون وراء ظهورهم للناس هنا بكلمة جارحة (تلك الحفرة..  تركناها لكم) ،  ولكن ما أعظم هذه الحفرة حينما تخبئ الانسان في جوفها حال انهمار الرصاص وهطول القذائف، وما اعظم جرم هؤلاء فإنهم يقتلون الوطن بكلماتهم، أما كان لهم ان يرحلوا بصمت ولا ضرر ولا ضرار.. ثم يأتي بعد ذلك في المحافل من يصدر احكامه على الناس إخوته في الوطن بانهم كلهم أو جلهم كذابون غشاشون قساة منافقون طماعون.. الانه هو كذلك اراد الناس كلهم مثله.. هل كل الذين يمشون على التراب العيي هم كذلك، هل كل الكادحون الصابرون الحامدون لرزقهم الضئيل هم كذلك، هل كل العابدون الساجدون لربهم في الجوامع واخبية الدور هم كذلك، هل كل القابضون على الجمر بأيديهم يتوجعون بصمت وبغير شكوى هم كذلك، هل كل من هب ثائرا لأجل وطنه واحتضن الأشجار بدمائه ومات تحتها هو كذلك، ما لكم كيف تحكمون.. الم يقل الله تعالى (كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض) وليس الزبد الكثيف على وجه البحر بشيء امام كنوز الأرض عددا وقيمة، والناس في بلادي فيهم من هو كزبد البحر وفيهم ايضا من هو كنز من كنوز الأرض ولكننا فقط نسارع إلى اليأس واسقاط الهمة بهول مرأى الزبد في كثرته فنحسب انه الاصل في الناس والمجتمع ولا ندرك ان هذا الزبد راحل وغير مستقر،  وانه علينا أن نكابد مشقة الغوص إلى ما ينفع الناس تحت هذا الزبد الراحل وذلك هو الكبد الرسالي المثمر، فإذا رحلنا معه إلى بلاد جديدة لنزرع فيها اشجارنا لربما وجدنا أنفسنا هناك أجسام شاذة دخيلة لا يحسب القوم فيها لنا حسابا ولا تصبح يوما هي وطن، وسنكابد ايضا ولكن فقط لأجل ان نطعم ونشرب كما البهائم والانعام.. ولعلي لا اكون مخطئا اذا قلت ان الله خلق لنا الاوطان لكي تكون محطا وحقلا لرسالتنا في الحياة وعطائنا وكبدنا وليس لكي ننتظر منها ان تعطينا هي، فبأي شيء إذاً سيكون الفوز في الدار الآخرة اذا ظللنا نُعطى ولا نعطي.. 

أما عن هذا الزبد من الناس الذي يذهب جفاء على وجه الاوطان فهم أولئك الضائعين بجرمهم كمثل شخصية (العم بيو) في رواية (جسر سان لويس ري) لمؤلفها (ثورنتون وايلدر) حيث جاء في سيرته السيئة (ويقف بأبواب الفنادق الراقية ليهمس إلى المسافرين ببعض الانباء ولم تكن خديعته لهؤلاء المسافرين تزيد في بعض الأحيان على أن يخبرهم ان بيتا نبيلا قد اضطر إلى بيع صحافه الفضية. وهكذا يقبض ثمن الخديعة من الصائغ صاحب تلك الصحاف، وكان كثير التردد على جميع المسارح ويستطيع ان يصفق كما يصفق عشرة مجتمعون. وكان ينشر الفضائح ويبيع ما يدور حول المحصولات الزراعية واثمان الأراضي من شائعات. وبين العشرين والثلاثين اصبحت خدماته معترفا بها في الدوائر العليا، فارسلته الحكومة إلى المناطق الجبلية ليثبط من عزيمة بعض الثوار المترددين، إلى أن تصل قوات الحكومة فتسحقهم بلا تردد).. فأمثال هذا اذاً ليسوا ابناء شرعيين لاوطانهم ويكون من الخير لهذه الاوطان رحيلهم كرحيل الزبد.. 

لقد اذن الله للقلة المستضعفين من الناس لا يملكون قوة ولا حيلة بالهجرة في الأرض، ولكن إذا صار اكثر الشعب تحت ضيق العيش والفقر وقهر السلطة وأصبح المال دولة بين القلة الغنية فهنا يتطلب الامر جهادا وثورة، ثورة على طغيان السلطة الغاشمة فالحاكم ان قتل وسفك الدماء وسرق المال العام وافسد في الأرض خرج من حاكميته ولم تبقى له في عنق احد منهم بيعة الا لدى من حذا حذوه وانتفع بفعله.. وثورة أخرى بضرب المعاول على الأرض لتنبت البترول الاخضر..  وثورة غيرها على اهلاك الحرث والنسل بالتلوث البيئي جراء استعمال طاقة المحروقات واستبدالها بطاقة الشمس والماء.. ولنضع اخيرا في احد الارفف أو الأركان البعيدة قول الشاعر (نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا) وان نستعمل قول الرسول العظيم (الخير في امتي). 


ما وراء لوحة (مايكل انجلو)

 ما وراء لوحة (مايكل انجلو) ..


       وائل الكردي


لوحة (مايكل انجلو) المسماة (خلق آدم) هي من ابرز لوحات العالم رمزية وشهرة.. فيها رجل وقور في عباءته غلمان كثر ويمد اصبعه لرجل آخر كأنما هو نوع من الاتصال او الالتقاط.. 

لسنا بصدد البحث في نقد العقائد والاديان وانما فقط اكتشاف منطق كل فئة في تبرير مواقفها.. ولنبدأ بالسؤال التالي : قتل اليهود المسيح، أو هكذا كان ظنهم، فلماذا أرادوا ذلك؟.. لنعد اذاً الى الوراء كثيراً حيث (سفر التكوين) في العهد القديم (التوراة) وهو سفر قصة الخلق، يقول في الاصحاح الاول (وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.. فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه).. ثم قال أيضا في الاصحاح الثالث (وقال الرب الاله هوذا الانسان قد صار كواحد منا عارفا بالخير والشر..) أي توفرت فيه دلالة الصورة الالهية بمعرفته الخير والشر بفعل أكله من الشجرة المحرمة. 

فكتاب اليهود يجعل الانسان تماما على صورة الله تماما كأنما هو هيئة العجين يأخذ صورة القالب حينما كان ليناً فيخرج يابساً على هيئته..

وعلى ضفة النهر الاخرى يقول المسيحيون كذلك أن المسيح هو ابن الله وأن ثالوث الآب والابن والروح القدس هم علي هيئة الواحد رغم انقسامهم، فيكون كما هو ظل الانسان على الارض، هو له ولكنه ليس هو.. حتى هنا لا ينشأ خلاف بين صورة الله وصورة الانسان في العهد القديم ( التوراة ) وصورة الله وصورة الانسان في العهد الجديد (الانجيل).. فإذا كان الحال ان المسيحية تؤمن بالكتاب المقدس كله توراته وانجيله فمن المنطقي الطبيعي إذاً ان يكون ابن الرب لديهم على نفس صورة الاب وان صورة كل الناس هي على صورة الله.. فاين السبب الخفي لقتل اليهود للمسيح برغم اتفاقهم في عقيدة الخلق؟.. ربما السبب هو ان ما اراده اليهود كشعب كامل مختار لله من بين جميع البشر والذي هو فئة اليهود من بني اسرائيل، قد جعله المسيحيين رجلاً فرداً واحداً فقط هو المسيح وليس شعب مخصوص بأكمله، فيفسد هذا زريعة اليهود في تبرير العلو في الأرض فوق الأمم كمطلب شرعي لهم بكونهم – اي اليهود – خاصة الله وشعبه المختار، ولكن المسيحيين جعلوا جميع شعوب الأرض احباء الله وجعلوا المختار الخاص لديه هو رجل واحد فقط هو (المسيح بن مريم).. ليصير هذا التعرض تعارض مصلحة اكثر من كونه تعارض عقيدة..

(مايكل انجلو) مسيحي كاثوليكي ينطلق من مسلمة ان الانسان خلق على صورة الله، فرسم لوحته  تصحيحا للموقف اليهودي بأن الله في تصوره يلتقط كل فرد من خلقه نحو جواره وملكوته كما ظهر في لوحته وليس يلتقط شعباً واحداً دون باقي الشعوب، فتكون اللوحة في هذا التفسير ترجمة لعقيدة الخلاص المسيحي وليست اثباتاً أن الله والانسان هما على صورة واحدة.

وعندما تعرض لنا هذه اللوحة  نحن المسلمين فلعلها تكون مناسبة للتفكر والنقد بأن نسأل انفسنا ابتداء (أين نحن من هذا الاعتقاد؟) فيعلم السائل فينا حينئذ أن الاسلام يخرجنا من هذا الخلاف كله بقول واحد أن الله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فحتى عندما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله (خلق الله آدم على صورته طوله ستون زراعا) فلعل المقصد أن الله خلق آدم على صورته التي هو عليها فعلاً أي صورة وهيئة آدم وليس على صورة وهيئة الله تعالى..

ولهذا نقول مع علماء المنطق العملي انه من اقوى سبل التعلم رسوخا في الذهن والوجدان ما يخرج من بين الاضداد بصناعة الحجة في تجاوز الضد وضده . وهنا يقولون انه بضدها تتميز الاشياء، فيكون اختلاف المواقف مدعاة لترسيخ الاعتقاد فيما نعتقد وبما تحقق لدينا من الحكمة فيه  وليس بالاعتقاد في عقيدة الاخرين.. وهذا ما يقرر أن الحجة الثابتة لا تأتي الا من ثنايا ادراكنا بما لدى الاخرين. 


ميت يحمل جثته ، ويهرول حيث يموت

 ميت يحمل جثته ، ويهرول حيث يموت ..

 

 وائل الكردي

لم تكن رواية (مكسيم جوركي) (جامعياتي أو مع الفلاحين) رواية من النمط المعتاد في كتابة الروايات .. هي نمط يعتمد فيه الكاتب على سيرته الذاتية ومحض الوقائع اليومية التي تدور حوله وتفاعله اللحظي معها ، فهي بذلك لا تملك الحبكة الدرامية التي تجتذب وجدان وعقل المتلقي وتحدث فيه أثراً ما ، وذلك لأنها تتألف فقط من (شخصية) دون أن يكون فيها (عقدة) مركزة و(حل) ممكن .. فقط حالة سردية للوقائع المتراصة أفقياً لكي تنتهي إلى لا شيء كما بدأت من لا شيء ، فليس هناك ثمة مقدمات منطقية تسوغ نهايتها كما لم يكن هناك ما يسوغ بدايتها . ولذلك لم تشتهر هذه الرواية بين القراء . وما ذاك إلا لأن الإنسان عادة لا يحب الطريق المرسل هكذا إلى ما لا نهاية ، فإن كان هنالك ثمة حقيقة يقترب يقينها من يقين الموت فهي أن قمة الطموح الإنساني أن يصل الإنسان إلى أهداف ونهايات فتلك هي دافعية حركته في هذا الوجود (السعي الأبدي نحو النهايات) ..

وعلى هذا السعي خلد أعمالاً ابداعية كبرى على نطاق القرون الطويلة بما توفر فيها من عناصر البداية والوسط والنهاية ، وأحكمت حبكتها بعقدة وشخصية وحل .. ولذلك لم تقارن عند النقاد روايته (جامعياتي أو مع الفلاحين) بروايته الأخرى (الأم) التي بلغت بشهرتها منصة الصف الأول لروائع الأدب العالمي ، فمن يقرأ رواية (الأم) يجد كل مقومات البناء الدرامي للأحداث والوقائع المسترسلة نحو العمق رأسياً بما يثير في النفس الشوق منذ مطلعها إلى ما ستكون عليه نهايتها .. 

كل هذا يعني أن الذي يمنح القيمة الحقيقية لحياة الإنسان هو أنها سوف تنتهي في يوم ما غير معلوم ، ولأنها سوف تنتهي يركض الإنسان لاهثاً وراء قمم الانجاز والنجاح وإثبات الذات حتى يذكره الناس زمناً طويلاً عقب فنائه .. إنه إذاً (الموت) الذي وصفه البعض بظلم أنه شر يستعاذ منه فإذا به هو الخير الذي يحفز الخيل على الاسراع في الركض كلما اقتربت من خط النهاية .. هو الموت الذي قال عنه فلاسفة النزعة الفردية أنه التجربة الوجودية الخالصة والفريدة من دون التجارب كلها ، فليس الاعتبار أن هناك موت ولكن الاعتبار (أنني أموت) وأن ليس لحي من الأحياء في الكون أن يشاركني في هذه التجربة الوجودية الفردية حيث لا أحد يموت موتي ولا أموت أنا موت أحد .. وكل قيم البطولة والنبل والفداء تصبح كلمات بلا معنى ولا دلالة لو لم يكن لها ارتباط وثيق بقيمة ومعنى الموت بل أن الموت هو صانع هذه الكلمات التي صارت أعلى قيم الانسانية .. ولذلك لم يكن بدعاً أن يؤلف (اللورد ديننج) كتابه العبقري (معالم في تاريخ القانون) ليحكي كله قصص الثبات على المواقف التي حكم على أصحابها بالموت حرقاً أو قطعاً للرأس أمام محاكم التفتيش منذ قرون خلت .

ولعلنا لا نعجب بعد الآن إذا رأينا مجالس اللهو والضحك قد اندلعت داخل مخيمات العزاء بعد دقائق من توسيد الموتى قبورهم المظلمة وأننا كنا نظن أنه لم يعد الموت واعظاً ، ولكن الحقيقة المثيرة للشفقة على حالنا أن هؤلاء الذين يضجون بلهوهم وضحكاتهم ومجادلاتهم تحت ظلال أرواح الموتى إنما هم يعبرون عن هروبهم من فكرة الموت أصلاً كلما سنحت لهم الفرصة بهذا الهروب ، وما ذاك على الأغلب إلا لشعورهم بأنهم لم يفعلوا بشكل كاف بعد الشيء المهم في حياتهم الذي هو رسالتهم الحقيقة ومغذى هذا العمر قصير كان أو طويل تذكرهم به لحظات حثوا التراب على الميت بين أقدامهم ، فعلى أي شيء ينتظرون إذاً النهاية ؟ ولذلك يهربون.، ولكن لا مفر فالرب قال (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) .. فالشاهد في الأمر أن شهادة الانجاز للعمر لا تمنح لدى الناس إلا بعد ختام حياتهم وفلا يصير العظيم عظيماً فيهم بحق إلا حين طي سجله ورفع القلم عنه وجفاف الصحيفة ، فهل ترى كانت حياة صاحبها جديرة بالتخليد ما دامت الدنيا أم أنها غير جديرة .. 

وحتى اولئك الذين أمضوا الحياة مجوناً ولعباً وانتهاكاً للحرمات كانت حجتهم في هذا أنهم أرادوا النهل من ملذات الدنيا قبل زوالها على يد الهادم المفرق ، ولكنهم أخطئوا الطريق وضلوا عن الصواب فالملذات لا تنتهي أبداً ولا تروي النفس الأمارة بالسوء من ظمأ.. لقد حاول (مايكل جاكسون)، وليس من أحد إلا ويعرفه.، أن يحفظ جسده وروحه داخل كبسولة الحياة فلا يموت ، ولكن الرب قال له ولغيره (اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) ولقد مات .. وهكذا النهايات والخواتيم لكل شيء تمنحه قيمته فالكل يريد أن يترك ذاته في الدنيا لعلمه أنه حتماً راحل عنها ، وكلنا كما قال شاعرنا (الفيتوري) ( .. ميت يحمل جثته ويهرول حيث يموت)  .. كذلك الرواية الجيدة تنتهي بحل ما لأجل أن تترك ذاتها تبقى طويلاً .    


الرقابة على المجتمعات الصغيرة

 الرقابة على المجتمعات الصغيرة..

 

 وائل الكردي


(قرى متجاورة متلاصقة، وسكة سلطانية تشق الوطا ولا تهدأ الرجل فيها لا ليلاً ونهاراً. والناس هنا وهناك في خيامهم وعرازيلهم ينطرون كرومهم، ويسهرون على زيتونهم وسفرجلهم وتينهم.. نواطير تروح وتجيئ، تسعل وتتنحنح ليعلم السارق أن الناطور سهران.. وهناك فريق من الشباب يعقدون حلقات السمر على التلال والرجامي..) لأجل هذا دعا هنالك (مارون عبود) ونحن ندعو بدعائه (أن أسرة قد تصير أمة، فلا عكس الله الآية لتصير الأمة أسرة).. فمن الخير أن تنمو المجتمعات الصغيرة فتصير أمماً ولكن ليس من الخير أن تضمحل الأمم الكبرى إلى  مجتمعات صغيرة. 

يظن الكثيرون أن الرقابة هي دور مغلق على الحكومات والدول والمؤسسات التنفيذية وحدها.. ولكنهم لا يعلمون الحق في أن الرقابة على الحقيقة هي دور منوط بأصحاب المصلحة المجتمعية على حكامهم ودولهم، فالرقيب من الناس هم الناس انفسهم على من يسوسون شئونهم ويتولون تكاليف ادارة حياتهم ومعاشهم.. أما القوانين والحكومات والمؤسسات التنفيذية فدورها تنفيذ احكام الرقابة التي أتى بها الرقباء وأخذ الاجراءات اللازمة لضمان الحقوق التي قد يضيعها المسؤولين لفشلهم أو جهلهم أو ضعفهم.

فالمسؤول (الفاشل) الذي ولي أمور الناس هو من لم يعلم كيف يدير مسؤوليته وتعلل بالظروف والأحوال الخارجة دائماً عن إرادته.. والمسؤول (الجاهل) هو من لم يدرك حدود سلطته ومدى صلاحياته ولم يعلم حتى الحد المعقول من القوانين فلا يميز بين ما هو لمنع أو لرفع الضرر وما هو لأجل المنفعة ولا يدرك أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.. والمسؤول (الضعيف) هو من علا صوته في الناس بشديد الكلام تهديداً ووعيداً وهو يخفي بذلك ما الله مبديه من ضعف وقلة حيلة وهوان على نفسه قبل أن يكون على غيره، فيظن واهماً أنه يرهب قلوب الجماهير بالصياح وهو المسكين لا يفطن أنه بذلك يلقى بأوراقه مكشوفة فتفضح ما فيه من نقص على الطاولة ليراها الجميع..

وللأسف ربما أغلب الناس يعتبرون أن الاصلاح الحقيقي يبدأ من الرقابة على الدولة الكبرى ومؤسساتها العامة والخاصة ذات السيطرة.. ولكن قد يبدو الأصوب هو أن الرقابة الفاعلة تبدأ من الكتل الاجتماعية المحدودة والمجتمعات الصغيرة بنحو الجمعيات التعاونية التي تهدف إلى قص أرجل المارد الرأسمالي في أنظمة السوق المحررة، ومثل اتحادات الملاك لشاغلي الأبراج والمجمعات السكنية، ومثل الأندية التي تتجمع فيها أسر وعائلات، ومثل المجمعات التجارية التي تتعدد فيها المحال بأصناف البيع.. فكل هذه وغيرها مما يضم أنماط من البشر متعددون ومختلفون في امزجتهم وعقولهم وأخلاقهم ومضارب نظراتهم للدنيا والحياة قد اجتمعوا طوعاً وبمحض ارادتهم فنشأت بينهم بعد ذلك مصلحة مشتركة بين جدران هذا المجتمع الصغير الذي ضمهم..

فإذا لم يتحقق لدى هؤلاء المعرفة والفهم الكافيين بحقوقهم الأساسية فلن يمكن لهم القيام بدور الرقابة والمحاسبة لأجل مصالحهم في مواجهة لجان مجتمعاتهم الصغيرة التنفيذية، إذ كيف يطالب بالحق من لا يعرفه أصلاً ولا يعرف السبل القانونية والاجرائية لتحصيل هذا الحق ونيله وحمايته.. فأن هذا ما يلزم لجمهور المجتمعات الصغيرة وإلا فسيرون حياتهم تنهار في كل يوم وهم يركنون إلى اداراتهم الفاشلة أو الضعيفة أو الجاهلة وحيث أن فشل المجتمعات الصغيرة هو أصل الفشل للمجتمع الكبير..

فليحذر إذاً اولئك الجمهور من مغبة فرعنة الفرعون بصمتهم على الباطل وتجاوزهم عن الحق بدعوى الصبر، وهو صبر في غير محله يورث الألم للجميع بفعل الفرد منهم ولا يأتي بخير بعده مهما طال.. وليسارعوا أول ما يسارعوا نحو تحصيل الحد الضروري من الثقافة القانونية والإدارية لأجل أن يقفوا صفاً واحدا في الرقابة على من اختاروهم لولاية أمور مجتمعاتهم الصغيرة، وأن لا يتركوا شيئاً من تقصير أو اخلال بالمسؤولية مهما كان ضئيلاً إلا ووقد وقفوا عنده وحاسبوا عليه بحسم، هكذا فقط تستقيم الأمور وينمو العمران ويحافظ المجتمع الكبير على تماسكه ونهضته بتماسك ونهضة المجتمعات الصغيرة فيه..

وحتى على مستوى الأحزاب السياسية للدولة ذات السلطة – إن جاز لنا أن نعتبرها وحدة مجتمعية صغيرة - فإن جمهور الحزب كثيراً – لاسيما في البدان النامية - لا يرون ابدأ أن سادة حزبهم يخطئون، ومهما كان الخطأ بيناً فادحاً ينبرون للدفاع عنهم والتبرير لهم، ذلك حتى يصير الخطأ إلى خطيئة ويزكم فسادهم الانوف ويضرب التعفن باطن كل أمر وظاهره فإنهم أيضاً لا يبتعدون ليصلحوا أنفسهم من الداخل وإنما يتمسكون بمقعد حزبهم في السلطة بدمائهم وارواحهم ويكتفون فقط بتغير الواجهة من سادات حزبهم بواجهة جديدة ولكن يظل الجمر نفسه مشتعلاً تحت الرماد.. ثم لا نعود نتحدث عن الفساد من جديد.. 

وهكذا فإن دور الرقابة والمحاسبة على ضوء الحقوق والواجبات برغم كونه فرض عين على كل من يشغل مكانه في المجتمع الصغير، إلا أنه لو اعذر البعض في عدم قدرتهم على الوفاء به  زاد هذا من التكليف به على فئة من هم قادرون، ولا مناص أمام هذه الفئة من قيادة عجز من عجزوا عن الرقابة والمحاسبة..

إن ما يحدث من توسيد الأمور لغير أهلها أو لأصحاب المصالح الشخصية لهو حتما الخراب المحقق، ولكم ضاعت أمم بكاملها لفشل وجهل وضعف القائمين عليها وصمت وقهر جماهيرها.. فمن يصمت عن الحق في المجتمع الصغير حتما لن يقوى على الجهر به في المجتمع الكبير.. وبأنفسنا فلنبدأ ، ونلتزم. 


 




 





ميت يحمل جثته ، ويهرول حيث يموت

 ميت يحمل جثته ، ويهرول حيث يموت ..

 

 وائل الكردي

لم تكن رواية (مكسيم جوركي) (جامعياتي أو مع الفلاحين) رواية من النمط المعتاد في كتابة الروايات .. هي نمط يعتمد فيه الكاتب على سيرته الذاتية ومحض الوقائع اليومية التي تدور حوله وتفاعله اللحظي معها ، فهي بذلك لا تملك الحبكة الدرامية التي تجتذب وجدان وعقل المتلقي وتحدث فيه أثراً ما ، وذلك لأنها تتألف فقط من (شخصية) دون أن يكون فيها (عقدة) مركزة و(حل) ممكن .. فقط حالة سردية للوقائع المتراصة أفقياً لكي تنتهي إلى لا شيء كما بدأت من لا شيء ، فليس هناك ثمة مقدمات منطقية تسوغ نهايتها كما لم يكن هناك ما يسوغ بدايتها . ولذلك لم تشتهر هذه الرواية بين القراء . وما ذاك إلا لأن الإنسان عادة لا يحب الطريق المرسل هكذا إلى ما لا نهاية ، فإن كان هنالك ثمة حقيقة يقترب يقينها من يقين الموت فهي أن قمة الطموح الإنساني أن يصل الإنسان إلى أهداف ونهايات فتلك هي دافعية حركته في هذا الوجود (السعي الأبدي نحو النهايات) ..

وعلى هذا السعي خلد أعمالاً ابداعية كبرى على نطاق القرون الطويلة بما توفر فيها من عناصر البداية والوسط والنهاية ، وأحكمت حبكتها بعقدة وشخصية وحل .. ولذلك لم تقارن عند النقاد روايته (جامعياتي أو مع الفلاحين) بروايته الأخرى (الأم) التي بلغت بشهرتها منصة الصف الأول لروائع الأدب العالمي ، فمن يقرأ رواية (الأم) يجد كل مقومات البناء الدرامي للأحداث والوقائع المسترسلة نحو العمق رأسياً بما يثير في النفس الشوق منذ مطلعها إلى ما ستكون عليه نهايتها .. 

كل هذا يعني أن الذي يمنح القيمة الحقيقية لحياة الإنسان هو أنها سوف تنتهي في يوم ما غير معلوم ، ولأنها سوف تنتهي يركض الإنسان لاهثاً وراء قمم الانجاز والنجاح وإثبات الذات حتى يذكره الناس زمناً طويلاً عقب فنائه .. إنه إذاً (الموت) الذي وصفه البعض بظلم أنه شر يستعاذ منه فإذا به هو الخير الذي يحفز الخيل على الاسراع في الركض كلما اقتربت من خط النهاية .. هو الموت الذي قال عنه فلاسفة النزعة الفردية أنه التجربة الوجودية الخالصة والفريدة من دون التجارب كلها ، فليس الاعتبار أن هناك موت ولكن الاعتبار (أنني أموت) وأن ليس لحي من الأحياء في الكون أن يشاركني في هذه التجربة الوجودية الفردية حيث لا أحد يموت موتي ولا أموت أنا موت أحد .. وكل قيم البطولة والنبل والفداء تصبح كلمات بلا معنى ولا دلالة لو لم يكن لها ارتباط وثيق بقيمة ومعنى الموت بل أن الموت هو صانع هذه الكلمات التي صارت أعلى قيم الانسانية .. ولذلك لم يكن بدعاً أن يؤلف (اللورد ديننج) كتابه العبقري (معالم في تاريخ القانون) ليحكي كله قصص الثبات على المواقف التي حكم على أصحابها بالموت حرقاً أو قطعاً للرأس أمام محاكم التفتيش منذ قرون خلت .

ولعلنا لا نعجب بعد الآن إذا رأينا مجالس اللهو والضحك قد اندلعت داخل مخيمات العزاء بعد دقائق من توسيد الموتى قبورهم المظلمة وأننا كنا نظن أنه لم يعد الموت واعظاً ، ولكن الحقيقة المثيرة للشفقة على حالنا أن هؤلاء الذين يضجون بلهوهم وضحكاتهم ومجادلاتهم تحت ظلال أرواح الموتى إنما هم يعبرون عن هروبهم من فكرة الموت أصلاً كلما سنحت لهم الفرصة بهذا الهروب ، وما ذاك على الأغلب إلا لشعورهم بأنهم لم يفعلوا بشكل كاف بعد الشيء المهم في حياتهم الذي هو رسالتهم الحقيقة ومغذى هذا العمر قصير كان أو طويل تذكرهم به لحظات حثوا التراب على الميت بين أقدامهم ، فعلى أي شيء ينتظرون إذاً النهاية ؟ ولذلك يهربون .. فالشاهد في الأمر أن شهادة الانجاز للعمر لا تمنح لدى الناس إلا بعد ختام حياتهم وفلا يصير العظيم عظيماً فيهم بحق إلا حين طي سجله ورفع القلم عنه وجفاف الصحيفة ، فهل ترى كانت حياة صاحبها جديرة بالتخليد ما دامت الدنيا أم أنها غير جديرة .. 

وحتى اولئك الذين أمضوا الحياة مجوناً ولعباً وانتهاكاً للحرمات كانت حجتهم في هذا أنهم أرادوا النهل من ملذات الدنيا قبل زوالها على يد الهادم المفرق ، ولكنهم أخطئوا الطريق وضلوا عن الصواب فالملذات لا تنتهي أبداً ولا تروي النفس الأمارة بالسوء من ظمأ .. وهكذا النهايات والخواتيم لكل شيء تمنحه قيمته فالكل يريد أن يترك ذاته في الدنيا لعلمه أنه حتماً راحل عنها ، وكلنا كما قال (مفتاح الفيتوري) ( .. ميت يحمل جثته ويهرول حيث يموت)  .. كذلك الرواية الجيدة تنتهي لأجل أن تترك ذاتها تبقى طويلاً .    


اسس كتابة البحث

 النقاط الأساسية لمحاضرات (اسس كتابة بحث) 

استاذ المادة/  د. وائل أحمد خليل الكردي

١/ منهج البحث هو الطريقة التي يصبح بها أي ظاهرة انسانية أو طبيعية أو ميدان معرفي مجالاً للبحث العلمي.


٢/ اختيار موضوع البحث العلمي يعتمد على تحديد الميل العلمي أو المعرفي لدى الباحث. 


٣/ لكي يكون هناك بحث علمي، لابد أن تكون هناك مشكلة، إما في اثبات علاقة ما أو نفي علاقة ما أو إنشاء علاقة أو توضيح وكشف لمخفي غامض.


٤/ عنوان البحث لابد أن يشتمل على المتغيرات الاساسية التي يدور حولها البحث والاشارة إلى نوع العلاقة بين هذه المتغيرات، وأن يتم صياغة العنوان على هيئة جملة مفيدة كاملة، كما يمكن صياغة عنوان رئيسي وعنوان مساعد شارح. 


٥/ لا يتم اختيار العنوان إلا بعد وضوح الفكرة في ذهن الباحث وتحديد المشكلة البحثية وتكوين الافتراضات عليها وما يميزها عن غيرها من مشكلات البحوث الداخلة في نفس المجال. 


٦/ (موضوع البحث):    موضوع البحث هو ما يحدد مجال التخصص الدقيق في إطار التخصص العام في فرع من فروع النشاط العلمي , ويتضمن عنوان الدارسة واهميتها والعلاقة العامة بين متغيراتهــــا والمقدمة المدخلية للبحث. 


٧/ (مشكلة البحث): تمثل مشكلة البحث الاطار الإجرائي الذى يحدد اتجاه عملية البحث في الموضــــــــوع  المعنى بالدراسة بحيث يكون حل مشكلة البحث هو الإضافة العلمية الجديدة التي تعطيها الدراسة في مجال التخصص العلمي الذى يمثله موضوع البحث وترتبط مشكلة البحث بالافتراضات التي يستند إليها ونوعيه المعلومات والبيانــــــــات والرسائل والعينات والأمثلة والتجارب والاساليب وانواع المناهج العلمية التي يستعان بها في إعداد البحث ويشترط في صياغة البحث ما يلي:-

         اولا:- ان تحدد المشكلة علاقه بين متغيرين او اكثر تمت الاشارة اليهما في عنوان البحث.

         ثانيا:- يجب ان تصاغ المشكلة بوضوح وتوضح في شكل تساؤل حتى يسهل تحديدها.

         ثالثا:- يجب التعبير بدقه عن المشكلة بحيث يتضمن ذلك التعبير إمكانية الاختبار.


٨/ - (فرضيات أو افتراضات البحث):  الفرضية هي تفسيرات مقترحه للعلاقة بين متغيرين او اكثر تطرحها مشكلة البحث , ويسمى احدهما المتغير المستقل وهو السبب ويسمى الاخر المتغير التابع وهو النتيجة. عليه تمـــــــثل الفرضية في ذهن الباحث احتمالا او إمكانيه لحل المشكلة موضوع البحث , لذا تعتبــــــــــــــر الفروض بمثابة إجابات أوليه على مشكلة البحث (الأسئلة) تعمل على توجيه جهود الباحث في جمع المعلومات والبيانات وتحدد الاجراءات والاساليب المناسبة لاختيار الحلول المقترحة وتكشف عن الحاجه الى ابحاث جديدة.

  هذا وتتخذ الفرضية العلمية شكلين اساسين هما:-

  اولا:- صيغة الايجاب بإثبات العلاقة بين المتغيرات سواء كانت هذه العلاقة سالبه أو موجبة

  (فرضيه مباشره)

  ثانيا:- صيغة النفي بعدم إثبات وجود علاقه اصلاً بين المتغيرات (فرضيه صفريه)

وشروط صياغة الفروض الصحيحة:-

أ/ الايجاز والوضوح                     ب/ الشمول والربط

ج/ قابلية الاختبار                        د/  الخلو من التناقض


٩/ (منهج البحث): هو مجموعة القواعد العامة التي تفيد إما اكتشاف الحقيقة في العلم وإما البرهنة عليها.

أ/ المنهج التاريخي (الاستردادي)          ب/ المنهج التجريبي

ج/ منهج دراسة الحالة.                    د/ المنهج الوصفي        هـ/ منهج تحليل المضمون


١٠/  (الدراسات السابقة):   وهو إعطاء احصاء بأهم الدراسات السابقة المباشرة في موضوع البحث ثم الإشارة الموجزة الى النقائص الموجودة في هذه الدراسات بما يفيد ما يلى:-

اولا:- الدقة وتجنب التكرار في معالجة الموضوع..

ثانيا: تمييز ما يمكن ان يعتبر اضافه جديده للبحث استنادا على ما تم بحثه في الدراسات السابقة.


١١/ (مصادر البحث): وهى مجموعه الكتابات او المؤلفات الأصلية والاساس المباشر للمعلومات في مجال البحث المعنى. ويتم كتابة تفاصيل كل مصدر على الترتيب التالي:-

1- اسم ولقب المؤلف                        2- العنوان الكامل للمصدر (الأساسي والفرعي)

3- المترجم (ان وجد)                       4- المحقق (ان وجد)

5- اسم الناشر(دار النشر)                   6- مكان او بلد النشر

7- رقم الطبعة (ان وجدت)                 8- تاريخ النشر

9/ رقم الجزء(ان وجد)



١٢/ (تقسيم البحث):   هو القوالب او الهياكل التي تصب فيها المادة البحثية , وهى إما ان تكون ابواباً عامه (لا تقل عن اثنين ) يتضمن كل منها فصولا تفصيله , او تكون فصولا موسعه (لا تقل عن اثنين) يشتمل كل منها على مباحث داخليه صغيره ومفصله او ان تكون فصولاً محدودة (لا تقل عن ثلاثة) يتألف كل منها من عناوين جانبيه.


١٣/ العناصر الاساسية لخطة البحث: (موضوع البحث، مشكلة البحث، فرضيات البحث، منهج البحث، الدراسات السابقة، مصادر البحث، تقسيم البحث) 


١٤/ (الاقتباس) هو اخذ معلومة معينة بغرض تكوين فكرة أو الاستشهاد والاستدلال أو اثبات فرضية، ويكون الاقتباس (حرفياً) اذا اخذ النص المقتبس بعباراته وكلماته كما هي في مصدرها دون أي تغيير، ويجب ان لا يتجاوز الاقتباس الحرفي للنص حدود الستة أو السبعة اسطر على وجه التقدير. ويكون الاقتباس (غير حرفي) إذا اخذت فقط فكرة النص دون كلماته وعبر عنها الباحث بأسلوبه وصياغته هو، ويكون الاقتباس غير الحرفي للنص عادة للنصوص الطويلة أو الزائدة عن السبعة اسطر. وسواء كان الاقتباس حرفياً للنص أو غير حرفي يجب التوثيق له في هامش او متن البحث. 


١٥/ (التوثيق): هو اسناد اي معلومة تم استخدامها في البحث إلى مصدرها المقتبسة منه – ولا يدخل في التوثيق تحليلا الباحث وآرائه واستدلالاته  الخاصة. ويكون التوثيق على وجه العموم على نفس طريقة تدوين المصادر التي تم ذكرها آنفاً مع ذكر رقم الصفحة أو الصفحات التي فيها النص المقتبس. وهناك مدارس متعددة في طريقة تدوين التوثيق خلال البحث. 


١٦/ (خاتمة البحث): تشتمل على الخلاصة المعرفية العامة للبحث ونتائج البحث الاساسية وكذلك أي توصيات يراها الباحث من وقائع نتائج البحث. 




مازلنا

 مازلنا..


 وائل الكردي


عادة ما كنت أبدأ محاضراتي في الفلسفة بسؤال عن الفارق بين (الوعي الغربي) و(الروح الشرقي).. وكيف أن الغربيون (وعي) وأن الشرقيون (روح).. فكنت أقول – ظناً مني أنها الحقيقة — بأن الغربيون في بلاد اثينا وروما القديمة كانوا ينطلقون في معارفهم من الطبيعة التي حولهم في الارض وفي السماء ولذلك صنعوا لأنفسهم آلهة على نفس هيئة البشر وطبائعهم، يحبون ويكرهون، يتألمون ويفرحون، يتقاتلون ويتسالمون، بل يموتون ويحيون.. تماماً كما هي أحوال البشر، يتصارعون في عليـائهم كما يتصارع البشر في دنياهم.. ولذلك فإن اصحاب هذا الوعي كانت اعينهم منتبه إلى الطبيعة واساطيرهم منسوجة حولها.. فكانوا كلما اكتشفوا حقيقة من حقائق الطبيعة اسقطوا بها واحدة من الأساطير والخرافات واستغنوا عنها بما وجدوه، وهكذا.. حتى بلغت لديهم المعرفة بالعالم مبلغاً من النضج جعلهم يتنازلون عن البحث في كثير من الأمور الروحانية والدينية، وكان شعارهم في ذلك (العلم من أجل العلم) َوليس لأجل الانتفاع والمنفعة حيث كان العالم فيهم يجتهد أن يدرك حقائق الصحراء رغم انها ليس في بلاده منها شيء تماماً كما يجتهد في ادراك حقائق البحار التي تحيط بلاده من كل جانب.. وهكذا جعل الاوربيون القدماء في الغرب (الروح في خدمة الطبيعة)..

أما الشرقيون القدماء، فقد جعلوا (الطبيعة في خدمة الروح) فكانت الروحانية لديهم هي المنطلق والاساس والمنتهى، لذلك لم يلجئوا إلى هذه الطبيعة في شيء من العلم والمعرفة إلا بالقدر الذي يحتاجون إليه في معاشهم وبحسب متطلبات حياتهم فقط، إذ لم يكن لديهم أن العلم من أجل العلم وإنما كان العلم على حسب ما هو متوفر في بيئتهم فأخذوا بعلوم الصحراء وكائناتها وعلوم الفلك بقدر ما يدركون به الطرق والاتجاهات في الخلاء الفسيح ومعرفة الطوالع، كذلك أخذوا بعلوم الهندسة لأجل معابدهم ومقابرهم واراضيهم الزراعية وكفى.. وهكذا لم تكن الطبيعة من هموم الشرقيون وإنما كان همهم في ما وراء الطبيعة، فظلت الأسطورة عندهم حية تنمو ولا تنحسر وظلت الحكايات الخرافية تلعب بعقولهم في كل شؤون حياتهم.

ولعل من قائل يقول مالنا نرى أن الغربيون برغم ماديتهم تطفح آدابهم وفنونهم بالأساطير والخرافات وقصص السحر والحظوظ الفلكية تشاؤماً وتفاؤلاً، فعندهم مثلاً (شكسبير) كبير أدباءهم كثيراً ما يعبر عن أغراضه المسرحية بألوان من الماورئيات  والأساطير، فلم يعد غربياً إذاً أن اصبحت أقاصيص (هاري بوتر) و(The lord of the rings) السحرية والاسطورية من ابرز عيون الأدب الانجليزي المعاصر فيما بعد.. ولكن هذا القائل قد لا يفطن إلى أنهم يبحثون عما هو خارج واقعهم الحي بحكم أن الانسان يرنو دائماً إلى ما ليس في حوزته ويتطلع إلى ما ليس في طبعه، كما انهم يحققون بأشكال متعددة مبدئهم القديم (العلم من أجل العلم).. أما الشرقيون فكانت الروحانية فيهم طبع وسجية وما وراء الطبيعة واقعهم وطريقة حياتهم، فلما ارادوا علماً بالكون والطبيعة طلبوه عند الغربيين فترجموا مؤلفاتهم في عصور متأخرة ثم اضافوا عليها حتى إذا عادت صحوة الغربيين بعد غفوتهم الحضارية استردوا عهدتهم القديمة مطعمة بإبداعات الشرقيين عليها، فأعادوا لأنفسهم سيرتهم الأولى في تطوير البحث العلمي في الطبيعة والكون وبلغوا فيه مبلغاً عظيماً هو ما نراه بين ايدي العالم الان، أما نحن فلم نملك إلا أن نجدد طلبنا القديم لنحصل على ما ينتجون ثم نظل نعيش تحت ظله.. 

مازلنا نحن في شرق العالم  وجنوبه نعتقد في أناس مثلنا اعتقاد المريدين في شيوخهم اعتقاداً جازما ليس فقط ببركتهم بل بقدرتهم على منح غيرهم هذه البركة فصنعنا منهم ابطالاً خارقين مقدسين وقبلنا اياديهم واقتسمنا فضلة وضوئهم ووطئنا بأرجلنا مواضع نعالهم على الرمال حسباناً منا أنهم يفيضون ببركاتهم علينا وإن كانوا في قبور مشيدة وسكنى اضرحة صماء قد جيفوا تحتها.. فعلى غرار حوار بعضاً من جمهور شرقي في رواية (الأمير الأحمر) لمارون عبود (قال واحد منهم : من أين يأكل هذا الحبيس؟ فلا دير يطعمه، ولا وقف ينفق عليه. يقولون أنن مكتفٍ، ما طلب رغيف خبز من أحد.. 

فقالت المرأة: من يدريكم ربما يأتيه غراب برغيف خبز، مثل القديس بولا اول الحبساء. 

فهمهم زوجها وقال إذ رأى غراباً فرداً: اسكتوا قد يكون هذا الغراب يخبي رغيفاً في عبه، فخاف أن نلتقطه أو استحى منا، فما رماه للحبيس، قوموا نذهب) 

والحال عندنا هكذا وربما اشد، فإذا ناقشنا احد في مسألة واختلف مع مشايخنا في الرأي قلنا (وهل انت اعرف واعلم من الشيخ) فيكون ذلك مبلغ حجتنا (أننا لا يمكن أن نعلم علم الشيخ) .. لذلك، عندما تطور الأمور، وجدنا أنفسنا مازلنا نلجأ إلى السحرة والدجالين طمعاً في اتصالهم بالعوالم السفلية مما لا نعلم من مخلوقات الله هناك فبهم تنال الرغائب، برغم كونه شرك فاضح، من نجاح في الدراسة والترقيات الوظيفية وحتى في كسب محبة العشير ولو بكسر قلبه.. مازلنا نعتقد أن كسر المرآة يورث النحس بنفس الدرجة التي نعتقد فيها أن أرواح الموتى تطلبنا في ايام الثالث والسابع والاربعين لكي نفتح لها مأتماً من جديد في كل مرة.. مازلنا نرتكب الخطايا والأثام ونمني النفس بأن هناك دائما (مسيح) جديد سيفدينا بنفسه فيتحمل عنا اوزارنا عند ربنا مهما ارتكبنا من جرائم.. مازلنا عندما ننصب حاكما علينا نصدق احلامنا أن لدى هذا الحاكم عصا موسى السحرية يضرب بها على ظهر البلد فتنشق عن خيرات وكنوز بلمح البصر وأنه إن لم يفعل نعتناه بالفشل وطلبنا بتغييره.. مازلنا لا ننظر إلا تحت ارجلنا فقط ولا نسأل عن أسباب وعلل قد تكون بعيدة عما نحن فيه.. مازلنا لا نحب الاعتراف بأخطائنا وإنما نكابر مهما أقيمت علينا الحجة فنستبدل المنطق والتعقل بعلوا الصوت.. مازلنا نقول (كان أبي) ولا نقل (ها نحن ذا)  ونتمسح في أنسابنا ونسب قبائلنا حتى ولو كنا في هذه الدنيا ضائعين ولم نمدد بسبب إلى أي شيء فوجودنا ورحيلنا عند العالمين سواء..

فبربنا ، كيف لا يستبيح عقولنا من يستغل هذه المعتقدات فينا.. وكيف لا يستبيح ارضنا من لا يرى فينا سوى أننا بكل شبابنا غثاء سيل وزبداً راحلاً بغير معنى.. وكيف لا يستبيح مواردنا من يكيل لنا من صنوف الكلام المعسول وهو يمد يده في جيبنا ليأخذ حقنا في الحياة.. كيف لا يستبيح اموالنا من يستغلون مرض الحسد المتفشي فينا، نحسد حتى الأصلع على نصوع رأسه تحت أشعة الشمس كما نحسد صاحب الشعر الكثيف سيان.. فإلى متى نحسب أننا نحن بكل هذا خير البشر ولا نملك سوى تاريخنا القديم وبعض علوم أمم تقدمتنا..

كلا لن نحقق شيئاً ما لم نتغير.. فالله قد قضى منذ الازل أن ما بقوم لا يتغير ما لم يغيروا هم ما بانفسهم.