السبت، 10 أبريل 2021

الرقابة على المجتمعات الصغيرة

 الرقابة على المجتمعات الصغيرة..

 

 وائل الكردي


(قرى متجاورة متلاصقة، وسكة سلطانية تشق الوطا ولا تهدأ الرجل فيها لا ليلاً ونهاراً. والناس هنا وهناك في خيامهم وعرازيلهم ينطرون كرومهم، ويسهرون على زيتونهم وسفرجلهم وتينهم.. نواطير تروح وتجيئ، تسعل وتتنحنح ليعلم السارق أن الناطور سهران.. وهناك فريق من الشباب يعقدون حلقات السمر على التلال والرجامي..) لأجل هذا دعا هنالك (مارون عبود) ونحن ندعو بدعائه (أن أسرة قد تصير أمة، فلا عكس الله الآية لتصير الأمة أسرة).. فمن الخير أن تنمو المجتمعات الصغيرة فتصير أمماً ولكن ليس من الخير أن تضمحل الأمم الكبرى إلى  مجتمعات صغيرة. 

يظن الكثيرون أن الرقابة هي دور مغلق على الحكومات والدول والمؤسسات التنفيذية وحدها.. ولكنهم لا يعلمون الحق في أن الرقابة على الحقيقة هي دور منوط بأصحاب المصلحة المجتمعية على حكامهم ودولهم، فالرقيب من الناس هم الناس انفسهم على من يسوسون شئونهم ويتولون تكاليف ادارة حياتهم ومعاشهم.. أما القوانين والحكومات والمؤسسات التنفيذية فدورها تنفيذ احكام الرقابة التي أتى بها الرقباء وأخذ الاجراءات اللازمة لضمان الحقوق التي قد يضيعها المسؤولين لفشلهم أو جهلهم أو ضعفهم.

فالمسؤول (الفاشل) الذي ولي أمور الناس هو من لم يعلم كيف يدير مسؤوليته وتعلل بالظروف والأحوال الخارجة دائماً عن إرادته.. والمسؤول (الجاهل) هو من لم يدرك حدود سلطته ومدى صلاحياته ولم يعلم حتى الحد المعقول من القوانين فلا يميز بين ما هو لمنع أو لرفع الضرر وما هو لأجل المنفعة ولا يدرك أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.. والمسؤول (الضعيف) هو من علا صوته في الناس بشديد الكلام تهديداً ووعيداً وهو يخفي بذلك ما الله مبديه من ضعف وقلة حيلة وهوان على نفسه قبل أن يكون على غيره، فيظن واهماً أنه يرهب قلوب الجماهير بالصياح وهو المسكين لا يفطن أنه بذلك يلقى بأوراقه مكشوفة فتفضح ما فيه من نقص على الطاولة ليراها الجميع..

وللأسف ربما أغلب الناس يعتبرون أن الاصلاح الحقيقي يبدأ من الرقابة على الدولة الكبرى ومؤسساتها العامة والخاصة ذات السيطرة.. ولكن قد يبدو الأصوب هو أن الرقابة الفاعلة تبدأ من الكتل الاجتماعية المحدودة والمجتمعات الصغيرة بنحو الجمعيات التعاونية التي تهدف إلى قص أرجل المارد الرأسمالي في أنظمة السوق المحررة، ومثل اتحادات الملاك لشاغلي الأبراج والمجمعات السكنية، ومثل الأندية التي تتجمع فيها أسر وعائلات، ومثل المجمعات التجارية التي تتعدد فيها المحال بأصناف البيع.. فكل هذه وغيرها مما يضم أنماط من البشر متعددون ومختلفون في امزجتهم وعقولهم وأخلاقهم ومضارب نظراتهم للدنيا والحياة قد اجتمعوا طوعاً وبمحض ارادتهم فنشأت بينهم بعد ذلك مصلحة مشتركة بين جدران هذا المجتمع الصغير الذي ضمهم..

فإذا لم يتحقق لدى هؤلاء المعرفة والفهم الكافيين بحقوقهم الأساسية فلن يمكن لهم القيام بدور الرقابة والمحاسبة لأجل مصالحهم في مواجهة لجان مجتمعاتهم الصغيرة التنفيذية، إذ كيف يطالب بالحق من لا يعرفه أصلاً ولا يعرف السبل القانونية والاجرائية لتحصيل هذا الحق ونيله وحمايته.. فأن هذا ما يلزم لجمهور المجتمعات الصغيرة وإلا فسيرون حياتهم تنهار في كل يوم وهم يركنون إلى اداراتهم الفاشلة أو الضعيفة أو الجاهلة وحيث أن فشل المجتمعات الصغيرة هو أصل الفشل للمجتمع الكبير..

فليحذر إذاً اولئك الجمهور من مغبة فرعنة الفرعون بصمتهم على الباطل وتجاوزهم عن الحق بدعوى الصبر، وهو صبر في غير محله يورث الألم للجميع بفعل الفرد منهم ولا يأتي بخير بعده مهما طال.. وليسارعوا أول ما يسارعوا نحو تحصيل الحد الضروري من الثقافة القانونية والإدارية لأجل أن يقفوا صفاً واحدا في الرقابة على من اختاروهم لولاية أمور مجتمعاتهم الصغيرة، وأن لا يتركوا شيئاً من تقصير أو اخلال بالمسؤولية مهما كان ضئيلاً إلا ووقد وقفوا عنده وحاسبوا عليه بحسم، هكذا فقط تستقيم الأمور وينمو العمران ويحافظ المجتمع الكبير على تماسكه ونهضته بتماسك ونهضة المجتمعات الصغيرة فيه..

وحتى على مستوى الأحزاب السياسية للدولة ذات السلطة – إن جاز لنا أن نعتبرها وحدة مجتمعية صغيرة - فإن جمهور الحزب كثيراً – لاسيما في البدان النامية - لا يرون ابدأ أن سادة حزبهم يخطئون، ومهما كان الخطأ بيناً فادحاً ينبرون للدفاع عنهم والتبرير لهم، ذلك حتى يصير الخطأ إلى خطيئة ويزكم فسادهم الانوف ويضرب التعفن باطن كل أمر وظاهره فإنهم أيضاً لا يبتعدون ليصلحوا أنفسهم من الداخل وإنما يتمسكون بمقعد حزبهم في السلطة بدمائهم وارواحهم ويكتفون فقط بتغير الواجهة من سادات حزبهم بواجهة جديدة ولكن يظل الجمر نفسه مشتعلاً تحت الرماد.. ثم لا نعود نتحدث عن الفساد من جديد.. 

وهكذا فإن دور الرقابة والمحاسبة على ضوء الحقوق والواجبات برغم كونه فرض عين على كل من يشغل مكانه في المجتمع الصغير، إلا أنه لو اعذر البعض في عدم قدرتهم على الوفاء به  زاد هذا من التكليف به على فئة من هم قادرون، ولا مناص أمام هذه الفئة من قيادة عجز من عجزوا عن الرقابة والمحاسبة..

إن ما يحدث من توسيد الأمور لغير أهلها أو لأصحاب المصالح الشخصية لهو حتما الخراب المحقق، ولكم ضاعت أمم بكاملها لفشل وجهل وضعف القائمين عليها وصمت وقهر جماهيرها.. فمن يصمت عن الحق في المجتمع الصغير حتما لن يقوى على الجهر به في المجتمع الكبير.. وبأنفسنا فلنبدأ ، ونلتزم. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق