عندما يكون البشر هم النفايات ..
د. وائل أحمد خليل صالح الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
«هناك حقائق تطوف الاسواق ليل نهار ، ولأنها تطوف الاسواق تمر بها عامة الناس دون أن تبصرها ، أو هي تبصرها ولا تعرفها . وعامة الناس تتعامى في الغالب عن رؤية الحقائق الصارخة ويتملكها العجب إذا اكتشف أحد الناس ما يفترض في الجميع معرفته ، إن الآف المسائل القائمة حولنا معظمها بسيط ميسور الحل كبيضة كولومبوس ، ولكن قلائل جداً هم الرجال الذين نجدهم حولنا من طراز كولومبوس» ..
ليس هذا القول لأحد الحكماء الاخلاقيين العظام ، وانما هي كلمة حق جاد بها (ادولف هتلرHitler ( في كتابه (كفاحي) Mein Kampf..
في كل بلاد العالم ، نرى في الحاويات من حولنا بها الكثير جداً من النفايات التي انفقها بني آدم ، ولكننا بعد لحظات نجد أن هذه النفايات قد زالت من الحاويات ولم يعد لها مستقر أوأثر كأنما قد تبخرت كما الماء في الهواء أو ذابت كالملح في قاع الفنجان .. والحق انه يتم دوماً إعادة تدويرها لكي تكون صالحة للاستعمال الآدمي مرة اخرى ، فيستعملونها .. ثم لتعود نفايات مرة اخرى .. ثم ليعاد تدويرها وانتاجها من جديد .. وهكذا بلا يأس أو فقدان أمل ، فكل ما خلق الله في الوجود نافع ، ناهيك عن الانسان نفسه ..
في كثير من بلاد العالم لم يعد هناك نفايات من جمادات و آنية .. ولكن صار البشر هم النفايات ، كم هائل من القوى الخلاقة المهدرة مشردين ولقطاء ومجهولي الابوين ولاجئين ممن تقدر اعدادهم بعشرات الألوف في المجتمع الواحد .. بشر يجوبون الشوارع ليلا كخفافيش الظلام ، لا أمل لهم في الأفق ولا هدف ، ولا قيمة للحياة فيهم ولا عقل ولا بدن .. كتل بشرية هرمت في ايام الطفولة والصبا .. عليهم ثياب قد تقذرت وتقطعت خيطانها ولم تعد تستر عورة ولا تقي من لسعة برد .. كل ما يفعلونه هو البحث عن مخدر يدمرون به خلايا أدمغتهم ويستعجلون به الموت الزؤام ، فكل احلامهم تأجلت لما بعد الموت .. وهم يبحثون عن بقايا طعام من شبعت بطونهم فناموا ملئ جفونهم حتى اسنت الدماء في عروقهم دون ان يشعروا بأولئك الباحثون عن النتف العالقة بعظام الدجاج في حاويات النفايات قبل حملها للتدوير لسد صرخة الجوع في اعماقهم فتشعرهم غصباً بأنهم أحياء ينبضون في عالم لم يرحمهم يوماً بجرم من انجبوهم .. انها حقاً لمأساة ، فإن كان بني آدم قد افلحوا في إحياء الأمل في مخلفاتهم من معادن واوراق ، أوليسوا قادرين على إحياء الأمل في البشر .. بلى ، وإنها لرسالة إلى وزارة الرعاية الاجتماعية وتوابعها أن لو رصدت ربع ميزانيتها لإعادة تدوير البشر المشردين كالنفايات ليعودوا اناساً اسوياء من جديد وذوي قيمة ونفع ، لكفى .. فأولاً ، بناء مجمعات سكن وورش على أرض خلاء من حديد هش ولبنٍ رخيص ، وميدان رياضة من الرمال ومسجد وحفنة اشجار .. ثم ثانياً ، جمع كل البشر النفايات المشردين من ثنايا الزقائق والطرقات في تلك المجمعات وإلباسهم ثياب (طلبة) من (دمورية) بيضاء كملبس طلاب التدريب العسكري في مرحلة اعادة الصياغة ، وليبدأ المشروع في كل يوم .. في الفجر الباكر ، صلاة ونظافة شخصية وتربية بدنية ثم إفطار ، يليه درس في الدين واللغة العربية والحساب البسيط ، ثم حصة للحرف الفنية والمهن داخل الورش حتى الظهيرة ، ثم الغداء وبعقبه راحة المساء .. وبعد العصر يشربون العصير المحلى فينطلقون تحت الاشراف إلى برنامج (الخدمة العامة) فإما نظافة طرق أو اصحاح بيئة أو صيانة مرافق أو اعمال سلامة مجتمعية أو تصنيع يدوي أو فلاحة وانتاج زراعي .. وبعد العشاء ، سمر ولهو وترفيه .. وعند العاشرة ليلاً تطفأ القناديل ويحين موعد الأحلام .. كل هذا فقط بتكلفة نومهم وأكلهم وكسائهم .. وفي ايام معلومات من كل اسبوع تحضر المنظمات الطوعية بأدوارها ، وكفيل عنها كلها (جمعية الكشافة) بشعارها النبيل (من أجل حياة افضل) ، فتصنف هؤلاء الاطفال والفتية في هيئة فرق وطلائع ، ثم تعمل على منحهم جرعات ثرة من التدريب المنتظم في القدرة على التصرف حال الطوارئ أو غيرها والاعتماد على الذات وتنمية المهارات وممارسة الهوايات وطرق حل المشكلات وازالة العوائق ، ويتعلمون رسم المستقبل السليم واغاثة الملهوف واسعاف المنكوب ، ويكون لهم في حياة الاخلاء والتعايش مع الطبيعة تربية للنفس وصقل للجوارح وتقوية للعزم وتعزيز للثقة بالنفس ، وتلك هي أهم منجزات الكشافة .. كما لا ننسى بحث ذلك العقل الذكي لديهم الذي انتج بينهم لغة مبدعة يتداولونها ويعذر تداولها لدى غيرهم .. وهكذا يعاد تدوير البشر النفايات فيصبحون انتاجا جديد بأقل التكاليف ، ليخرجوا بعد حين يقدر بقدره رجالاً ونساءً كباراً نفوسهم ، عاملين محترفين منتجين ومربين افاضل وربما قادة مجتمعات .. فالمهم ، أن لن تعود الحياة بعدهم في البلاد كما كانت ، وذلك هو الاستثمار في الكبد الرطبة ، ومن وراء القصد قول الله تعالى (ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) .. اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد ..
د. وائل أحمد خليل صالح الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
«هناك حقائق تطوف الاسواق ليل نهار ، ولأنها تطوف الاسواق تمر بها عامة الناس دون أن تبصرها ، أو هي تبصرها ولا تعرفها . وعامة الناس تتعامى في الغالب عن رؤية الحقائق الصارخة ويتملكها العجب إذا اكتشف أحد الناس ما يفترض في الجميع معرفته ، إن الآف المسائل القائمة حولنا معظمها بسيط ميسور الحل كبيضة كولومبوس ، ولكن قلائل جداً هم الرجال الذين نجدهم حولنا من طراز كولومبوس» ..
ليس هذا القول لأحد الحكماء الاخلاقيين العظام ، وانما هي كلمة حق جاد بها (ادولف هتلرHitler ( في كتابه (كفاحي) Mein Kampf..
في كل بلاد العالم ، نرى في الحاويات من حولنا بها الكثير جداً من النفايات التي انفقها بني آدم ، ولكننا بعد لحظات نجد أن هذه النفايات قد زالت من الحاويات ولم يعد لها مستقر أوأثر كأنما قد تبخرت كما الماء في الهواء أو ذابت كالملح في قاع الفنجان .. والحق انه يتم دوماً إعادة تدويرها لكي تكون صالحة للاستعمال الآدمي مرة اخرى ، فيستعملونها .. ثم لتعود نفايات مرة اخرى .. ثم ليعاد تدويرها وانتاجها من جديد .. وهكذا بلا يأس أو فقدان أمل ، فكل ما خلق الله في الوجود نافع ، ناهيك عن الانسان نفسه ..
في كثير من بلاد العالم لم يعد هناك نفايات من جمادات و آنية .. ولكن صار البشر هم النفايات ، كم هائل من القوى الخلاقة المهدرة مشردين ولقطاء ومجهولي الابوين ولاجئين ممن تقدر اعدادهم بعشرات الألوف في المجتمع الواحد .. بشر يجوبون الشوارع ليلا كخفافيش الظلام ، لا أمل لهم في الأفق ولا هدف ، ولا قيمة للحياة فيهم ولا عقل ولا بدن .. كتل بشرية هرمت في ايام الطفولة والصبا .. عليهم ثياب قد تقذرت وتقطعت خيطانها ولم تعد تستر عورة ولا تقي من لسعة برد .. كل ما يفعلونه هو البحث عن مخدر يدمرون به خلايا أدمغتهم ويستعجلون به الموت الزؤام ، فكل احلامهم تأجلت لما بعد الموت .. وهم يبحثون عن بقايا طعام من شبعت بطونهم فناموا ملئ جفونهم حتى اسنت الدماء في عروقهم دون ان يشعروا بأولئك الباحثون عن النتف العالقة بعظام الدجاج في حاويات النفايات قبل حملها للتدوير لسد صرخة الجوع في اعماقهم فتشعرهم غصباً بأنهم أحياء ينبضون في عالم لم يرحمهم يوماً بجرم من انجبوهم .. انها حقاً لمأساة ، فإن كان بني آدم قد افلحوا في إحياء الأمل في مخلفاتهم من معادن واوراق ، أوليسوا قادرين على إحياء الأمل في البشر .. بلى ، وإنها لرسالة إلى وزارة الرعاية الاجتماعية وتوابعها أن لو رصدت ربع ميزانيتها لإعادة تدوير البشر المشردين كالنفايات ليعودوا اناساً اسوياء من جديد وذوي قيمة ونفع ، لكفى .. فأولاً ، بناء مجمعات سكن وورش على أرض خلاء من حديد هش ولبنٍ رخيص ، وميدان رياضة من الرمال ومسجد وحفنة اشجار .. ثم ثانياً ، جمع كل البشر النفايات المشردين من ثنايا الزقائق والطرقات في تلك المجمعات وإلباسهم ثياب (طلبة) من (دمورية) بيضاء كملبس طلاب التدريب العسكري في مرحلة اعادة الصياغة ، وليبدأ المشروع في كل يوم .. في الفجر الباكر ، صلاة ونظافة شخصية وتربية بدنية ثم إفطار ، يليه درس في الدين واللغة العربية والحساب البسيط ، ثم حصة للحرف الفنية والمهن داخل الورش حتى الظهيرة ، ثم الغداء وبعقبه راحة المساء .. وبعد العصر يشربون العصير المحلى فينطلقون تحت الاشراف إلى برنامج (الخدمة العامة) فإما نظافة طرق أو اصحاح بيئة أو صيانة مرافق أو اعمال سلامة مجتمعية أو تصنيع يدوي أو فلاحة وانتاج زراعي .. وبعد العشاء ، سمر ولهو وترفيه .. وعند العاشرة ليلاً تطفأ القناديل ويحين موعد الأحلام .. كل هذا فقط بتكلفة نومهم وأكلهم وكسائهم .. وفي ايام معلومات من كل اسبوع تحضر المنظمات الطوعية بأدوارها ، وكفيل عنها كلها (جمعية الكشافة) بشعارها النبيل (من أجل حياة افضل) ، فتصنف هؤلاء الاطفال والفتية في هيئة فرق وطلائع ، ثم تعمل على منحهم جرعات ثرة من التدريب المنتظم في القدرة على التصرف حال الطوارئ أو غيرها والاعتماد على الذات وتنمية المهارات وممارسة الهوايات وطرق حل المشكلات وازالة العوائق ، ويتعلمون رسم المستقبل السليم واغاثة الملهوف واسعاف المنكوب ، ويكون لهم في حياة الاخلاء والتعايش مع الطبيعة تربية للنفس وصقل للجوارح وتقوية للعزم وتعزيز للثقة بالنفس ، وتلك هي أهم منجزات الكشافة .. كما لا ننسى بحث ذلك العقل الذكي لديهم الذي انتج بينهم لغة مبدعة يتداولونها ويعذر تداولها لدى غيرهم .. وهكذا يعاد تدوير البشر النفايات فيصبحون انتاجا جديد بأقل التكاليف ، ليخرجوا بعد حين يقدر بقدره رجالاً ونساءً كباراً نفوسهم ، عاملين محترفين منتجين ومربين افاضل وربما قادة مجتمعات .. فالمهم ، أن لن تعود الحياة بعدهم في البلاد كما كانت ، وذلك هو الاستثمار في الكبد الرطبة ، ومن وراء القصد قول الله تعالى (ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) .. اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق