من يحاسب ضمير مجتمع المقاومة .
وائل الكردي
(إن القوة المطلقة خطيئة) .. هذا هو المغذى الكبير الذي نستفيده من كتابات (شيلي) الانجليزي في التعبير عن روح الثورة الفرنسية كأكبر نموذج تاريخي لثورات المقاومة الشعبية في سبيل هز عروش حكومات الاستبداد في كل مكان ..
جميع حركات التحرر الوطني في العالم ضد المحتل الأجنبي هي التي انشأت مفهوم (مجتمع المقاومة) وهو أعلى مراتب الثورة الشعبية .. ولكن أيضاً قد يبلغ طغيان السلطة المحلية للبلاد أن تعمل عمل الاحتلال الأجنبي وربما أشد سوءً فينهض في مواجهتها المجتمع كله بالمقاومة والثورة، حيث (مجتمع المقاومة) هو حالة جماهيرية عامة يشترك فيها اغلب فئات وافراد الشعب عندما يقعون تحت نير ظروف واحدة خلقها السلوك السلطوي بفساده وظلمه وقهره للعباد، فاكبر أشكال الثورة وأعلى مراتبها في أي بلد من البلدان عندما يتحول المجتمع فيه إلى مجتمع مقاومة ، فحتماً يقع التغيير والتحول الشامل لصورة البلاد المستقبلية والذي ستعيشه الاجيال الصانعة للثورة والأجيال الناشئة في ظلها من بعد ..
نحن إذا اسقطنا قطرات ماء بشكل متفرق على سطح املس مستوي لرأينا كيف تتحرك هذه القطرات لتأخذ اشكالاً على شيء من التناسب والانتظام تلقائياً، فهذا هو حال مجتمع المقاومة الذي بدأ خروجه للثورة بدافع تلقائي وبضغط مد انفعالي غضبي شديد قد يبدو لأول وهلة أنها انطلاقة عشوائية غير مرشدة. ولكن – وبذات النحو التلقائي – ينتظم وقع جموع الناس في خطاهم وهتافهم وحماسهم تعبر كلها عن (ضمير) ما يتخلل هذه الجموع ويجعلها تسير سيرها الثوري نحو تحقيق الهدف فإما هو وإما الموت، وما ذاك الضمير إلا (لجان المقاومة) .. فلجان المقاومة ليست هي تنظيماً ادارياً ولا هي سلطة تنفيذية وليست قيادة على هيئة القيادة العسكرية بل إن كل هذه القوالب تفقدها سبيلها وفعاليتها. لجان المقاومة هي الضمير الذي يتحرك به مجتمع المقاومة وهي الشعلة المتقدة التي تدور حولها وبها جموع الشعب في ثورته، فهي إذاً ليست قيادة بالأوامر والتعليمات وانما هي قيادة اخلاقية بالقدوة والمبادرة في النضال والمواجهة الثورية والتقدم نحو الحياة الجديدة أو نحو الموت، هي طليعة الارادة الشعبية الثورية التي لا تخبو جذوتها حتى بعد أن يحقق مجتمع المقاومة نجاح الثورة وتستقر البلاد وتستقيم على خطها وتعود حياة المواطنين وحركة الدولة إلى مجرها الطبيعي، فتبقى لجان المقاومة قائمة على سوقها حينذاك وفقط تنتقل من حالة النضال والمواجهة الثورية الى دور الرقابة الشعبية على مكتسبات الثورة شريطة أن تبقى شعبية كما هي ولا تأخذ شكلاً سلطوياً أو صفة رسمية كأنها حزب من الأحزاب .. ولذلك يخطئ من يتكلم عن لجان المقاومة بأنهم شخصيات اعتبارية عامة لديها تكاليف تنفيذية أو تنظيمية بخلاف كونها ضمير الجماهير الذي ينبغي أن يظل حياً حتى لا يحدث انحراف في سيادة البلاد وسلطة الساسة على الناس ..
إن عناصر لجان المقاومة هم أفراد من الشعب لا يتميزون عنه بصفة رسمية ولا حصانة دستورية أو ما شابه، فمن يخطئ منهم تجري عليه مجاري القانون التي تجري على الكل ولا تزر في ذلك وازرة وزر أخرى وكل نفس بما كسبت رهينة .. فالهيئات العدالية على هذا لا تحاسب ضمير الشعب وإنما تحاسب من يخرج عن هذا الضمير، فالأصل في ضمير الشعب أنه حر لأنه يصدر عن معاناة واقعية جماعية تعد – أي تلك المعاناة - في غير صالح الانسان وحياته السليمة .. وبدل أن نستعجل في السؤال عن العقوبة لابد أن نفطن قبل ذلك إلى أن القانون وضع في الأساس كتدابير واجراءات لحماية الناس ومنع الضرر عنهم، فإن وقع الضرر من بعد فهنا يكون حد الاستثناء بتوقيع العقوبة والتي تكون بقدر الفعل في فرديته أو اشتراكه .. وهكذا فالأصل أن القانون يحمي لجان المقاومة ويمنع وقوع الضرر عليها كفئات مجتمعية وعلى اعتبار أن وصف (لجان) على هذه الجماعات هو وصف مجازي اكثر الشيء وليس وصف تنظيمي لحزب رسمي او هكذا ينبغي أن يكون فهو أدعى لأداء هذه اللجان لمهامها الوطنية ولدوام فاعليتها ولبقاء هيبتها .. إذاً ليس ثمة من يحاسب (الضمير) وإنما يحاسب من يخرج عن الضمير أو ينحرف عنه، فالضمير إن هو إلا كناية عن الصح الجمعي كما هو دلالة على الصح الفردي، كما أنه ليس كل تكتل اجتماعي يصلح أن يعد ضميراً مجتمعياً أو شعبياً.. ولعل خير تمثيل للضمير هنا هو قول الرسول العظيم (البر حسن الخلق. والاثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق