اصنع عدوك .. تأكله
د. وائل أحمد خليل الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
وحين كبرت .. لم أحصل على تأشيرة للبحر ..
لم ابحر ..
وأوقفني جواز غير مختوم على الشباك ..
لم أعبر ..
(هشام الجخ)
لم يدور بخلدي قبلاً أن يأتي يوماً أدرك فيه أن أصحاب (وعد بلفور) قد أوعزوا سراً إلى سيد شباب ثورة يوليو 1952م (جمال عبد الناصر) رحمه الله ، أن يقود حملته للنضال والبطولة عبر .طريق حافل بالبطولات رسموه له كما رسموه الماسون من قبل للسلطان عبد الحميد العثماني أخريات عهد الخلافة الإسلامية فانهارت وتم نفي السلطان وإعلان العلمانية الأتاتوركية .. ولكن طريق الثوار في يوليو 52 كان لابد أن يكون مختلفاً .. فحيث لم تعد هناك خلافة إسلامية كان لابد للطريق الجديد أن يكون معبداً باسم القومية .. القومية العربية .. ليدفع الثوار عن بلاد العرب مستعمريها بجحافل من الخيل والسياسة ، ثم توحيد الأمة تحت راية (العروبة) الجديدة .. ولا أدري من بالتحديد من بين أصحاب ذلك الوعد لقيام دولة الشعب المختار على أرض أبناء كنعان عام 1948م الذي أوعز للثائر الشاب أنك إن اردت هزيمة اليهود في بلاد العرب ، فحاربهم باسم العروبة وبهدف إعلاء القومية العربية .. فانجرف المد الطاغي من الشعوب بفعل الخطب المشتعلة وراء زعيمهم في كل مكان (ناصرياً) كان أم (بعثياً) لقتال صهيون وتحرير فلسطين المحتلة .. فكان كل نصيبهم حصد الرؤوس منهم والأرواح ، وليبقى اليهود هم كما هم .. لم يفطن اولئك العرب أنهم يقاتلون يهوداً هم جميع شعوب العالم منهم جمعتهم وحدة العقيدة والدين ، فكيف للعرق الواحد أن يغلب خليطاً من كل الأعراق .. هذا كان في الماضي القريب ، ولكن ما يحدث اليوم أدهى وأمر .. فلقد انقلب السقاء على الساقي وتبعثر الماء بعد كسر الإناء ، وأكلت قطة يعرب أبنائها .. وبات القتل والقتال في البيت الواحد تماماً كما خطط له .. فلقد فطن أصحاب الوعد قديماً أن غرس الود والوفاق وجمع الشمل على كلمة ومبدأ (القومية) ، سيعمل على مدى الزمن في تهشيش المفاصل ونخر العظام والأكتاف .. وكحال كل القوميات في التاريخ لن يصمد ما اجتمع عليه بني يعرب ليكون يوماً حائط الصد المنيع بينهم وبين أنفسهم حال ما تنازعوا الأرض والسلطان .. وها قد خرت القومية العربية صرعى ، وصارت جامعة الدول العربية ما هي إلا صورة للفتة الكبرى وللربيع العربي الذي تساقطت أوراقه الصفراء وتعر الشجر ..
والآن يعود كل فرع لأصله من كل جنس وملة .. فمن عادوا إلى حاضرة الفرعون في مصب النيل .. ومن رجعوا إلى عمق أفريقيا السمراء وغابات الباباي والمانجو .. ومن عادوا إلى البربر الأشداء في مضارب الساحل والصحراء .. ومن ردوا إلى بابل وأشور وسومر على ضفاف الفرات .. فكلُ قد كفر بيعرب وقالوا لنا دونها أصل .
هكذا ضل الناس الطريق . فلم تجمع القومية يوماً قط قوماً .. واليوم ، زالت القومية وبقي اللسان ، شاهداً على العرب ونذير بين يدي خطر قد اقترب .. فوعد (بلفور) كان ، إذن ، مؤلف من عهدين .. عهد ظاهر ، وهو التمكين لليهود في دولة على أرض فلسطين مخالفين بذلك كافة مبادئ المشروعية الدولية في نشؤ الأمم والبلدان وحسب حق تاريخي مزعوم لو وافقهم الناس عليه لفتحوا بذلك على أنفسهم أبواباً لدعوى حقوق تاريخية لدى كل شعوب العالم عند بعضهم ولن تنسد إلا بفتنة حاصدة خاصة بعدما تداخلت الأنساب وانتشرت الشعوب وأعيد ترسيم الرقاع .. أما العهد الباطن ، فلعلنا نضرب فيه مثلاً (إن كان ثمة عدوُ لا محالة ناهض لك .. فاسبق أنت بصنع عدوك من عجوة ، لتأكله حين الطلب) .. ولقد صنع وعد (بلفور) في طي بنوده هذا الخصم الرخو من عجوة .. وصار في كل حين يأكل منه كيفما شاء .. ولو أن هذا الوعد لم يصنع خصمه الهزيل (القومية العربية) كبديل منطقي بعد حسم الخلافة العثمانية ، لنهض أمامه عملاق الإسلام من جديد بالصارم البتار عدواً له ولا يقدرون عليه ، وليجهض الحلم بأرض الميعاد في منامة بني اسرائيل .. نعم إن القومية العربية هي صنيعة وعد (بلفور) لتكون هي الخصم الفاشل أمام دولة صهيون حال قيامها .. ثم هكذا يظل يدور الشرق الملتهب في لعبة الكراسي .. ولكن لا ينتهى العد أبداً ولا تدق صافرة ً النهاية .. ولن نعلم من يجلسون على المقاعد ومن يظل واقفاً فيخرج من اللعبة
د. وائل أحمد خليل الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
وحين كبرت .. لم أحصل على تأشيرة للبحر ..
لم ابحر ..
وأوقفني جواز غير مختوم على الشباك ..
لم أعبر ..
(هشام الجخ)
لم يدور بخلدي قبلاً أن يأتي يوماً أدرك فيه أن أصحاب (وعد بلفور) قد أوعزوا سراً إلى سيد شباب ثورة يوليو 1952م (جمال عبد الناصر) رحمه الله ، أن يقود حملته للنضال والبطولة عبر .طريق حافل بالبطولات رسموه له كما رسموه الماسون من قبل للسلطان عبد الحميد العثماني أخريات عهد الخلافة الإسلامية فانهارت وتم نفي السلطان وإعلان العلمانية الأتاتوركية .. ولكن طريق الثوار في يوليو 52 كان لابد أن يكون مختلفاً .. فحيث لم تعد هناك خلافة إسلامية كان لابد للطريق الجديد أن يكون معبداً باسم القومية .. القومية العربية .. ليدفع الثوار عن بلاد العرب مستعمريها بجحافل من الخيل والسياسة ، ثم توحيد الأمة تحت راية (العروبة) الجديدة .. ولا أدري من بالتحديد من بين أصحاب ذلك الوعد لقيام دولة الشعب المختار على أرض أبناء كنعان عام 1948م الذي أوعز للثائر الشاب أنك إن اردت هزيمة اليهود في بلاد العرب ، فحاربهم باسم العروبة وبهدف إعلاء القومية العربية .. فانجرف المد الطاغي من الشعوب بفعل الخطب المشتعلة وراء زعيمهم في كل مكان (ناصرياً) كان أم (بعثياً) لقتال صهيون وتحرير فلسطين المحتلة .. فكان كل نصيبهم حصد الرؤوس منهم والأرواح ، وليبقى اليهود هم كما هم .. لم يفطن اولئك العرب أنهم يقاتلون يهوداً هم جميع شعوب العالم منهم جمعتهم وحدة العقيدة والدين ، فكيف للعرق الواحد أن يغلب خليطاً من كل الأعراق .. هذا كان في الماضي القريب ، ولكن ما يحدث اليوم أدهى وأمر .. فلقد انقلب السقاء على الساقي وتبعثر الماء بعد كسر الإناء ، وأكلت قطة يعرب أبنائها .. وبات القتل والقتال في البيت الواحد تماماً كما خطط له .. فلقد فطن أصحاب الوعد قديماً أن غرس الود والوفاق وجمع الشمل على كلمة ومبدأ (القومية) ، سيعمل على مدى الزمن في تهشيش المفاصل ونخر العظام والأكتاف .. وكحال كل القوميات في التاريخ لن يصمد ما اجتمع عليه بني يعرب ليكون يوماً حائط الصد المنيع بينهم وبين أنفسهم حال ما تنازعوا الأرض والسلطان .. وها قد خرت القومية العربية صرعى ، وصارت جامعة الدول العربية ما هي إلا صورة للفتة الكبرى وللربيع العربي الذي تساقطت أوراقه الصفراء وتعر الشجر ..
والآن يعود كل فرع لأصله من كل جنس وملة .. فمن عادوا إلى حاضرة الفرعون في مصب النيل .. ومن رجعوا إلى عمق أفريقيا السمراء وغابات الباباي والمانجو .. ومن عادوا إلى البربر الأشداء في مضارب الساحل والصحراء .. ومن ردوا إلى بابل وأشور وسومر على ضفاف الفرات .. فكلُ قد كفر بيعرب وقالوا لنا دونها أصل .
هكذا ضل الناس الطريق . فلم تجمع القومية يوماً قط قوماً .. واليوم ، زالت القومية وبقي اللسان ، شاهداً على العرب ونذير بين يدي خطر قد اقترب .. فوعد (بلفور) كان ، إذن ، مؤلف من عهدين .. عهد ظاهر ، وهو التمكين لليهود في دولة على أرض فلسطين مخالفين بذلك كافة مبادئ المشروعية الدولية في نشؤ الأمم والبلدان وحسب حق تاريخي مزعوم لو وافقهم الناس عليه لفتحوا بذلك على أنفسهم أبواباً لدعوى حقوق تاريخية لدى كل شعوب العالم عند بعضهم ولن تنسد إلا بفتنة حاصدة خاصة بعدما تداخلت الأنساب وانتشرت الشعوب وأعيد ترسيم الرقاع .. أما العهد الباطن ، فلعلنا نضرب فيه مثلاً (إن كان ثمة عدوُ لا محالة ناهض لك .. فاسبق أنت بصنع عدوك من عجوة ، لتأكله حين الطلب) .. ولقد صنع وعد (بلفور) في طي بنوده هذا الخصم الرخو من عجوة .. وصار في كل حين يأكل منه كيفما شاء .. ولو أن هذا الوعد لم يصنع خصمه الهزيل (القومية العربية) كبديل منطقي بعد حسم الخلافة العثمانية ، لنهض أمامه عملاق الإسلام من جديد بالصارم البتار عدواً له ولا يقدرون عليه ، وليجهض الحلم بأرض الميعاد في منامة بني اسرائيل .. نعم إن القومية العربية هي صنيعة وعد (بلفور) لتكون هي الخصم الفاشل أمام دولة صهيون حال قيامها .. ثم هكذا يظل يدور الشرق الملتهب في لعبة الكراسي .. ولكن لا ينتهى العد أبداً ولا تدق صافرة ً النهاية .. ولن نعلم من يجلسون على المقاعد ومن يظل واقفاً فيخرج من اللعبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق