الانسان والسوبرمان ..
د. وائل أحمد خليل صالح الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
منذ ان اعلن (ريتشارد دوكنز) R. Dawkins أن مقصود (داروين) Ch. Darwin من تعيين أصل الانسان في سلالة الحيوان يجعله ابن عم للقرد الشمبانزي والجوريلا في نسب عائلي واحد ، وبالتالي فهم معا على قيمة واحدة متساوية في الوجود .. فاقتضى هذا ارساء مبدأ حيونة الانسان وليس أنسنة الشمبانزي .. فنحن اذن كما الانعام من ابناء عمومتنا لا يهمنا من الدنيا سوى البحث عن الطعوم النابتة على الارض أو الساعية على اربع في بواطن الوديان أو سابحة بزعانفها وخياشيمها في اعماق البحار .. نأكل ونشرب ونلهو بأطفال وبنين ، ولا شيء وراء ذلك .. ونتقاتل من أجل لقمة العيش والنسل ومتاع الطبيعة .. فمنذ ذاك ونحن نسأل أنفسنا ، والسؤال يلح ويطرق الاذان (من أين جاءنا – والحال هكذا – التطلع الدائم للعلو فوق ما نحن عليه .. ونخلق فينا ما اسميناه الحضارة ؟) .. أهي الدافعية الحيوانية داخلنا هي ما تسوقنا الى صعود درجات اعلى في الوجود ، ونرقى مراقي المجد ؟ .. لقد ذكر صديقي الفيلسوف السعودي المتفوق (عبد الرحمن بن مرشود) في اقتباس له في ختام محاضرته عن السردية والانسان أن الذئاب حين تتقاتل لا تباهي بانتصار ولا تفاخر ببطولة ، ذلك لأنها لا تسرد القصص .. فمن اين اذن جاء الانسان بالسرد والقصة ينقل بها تطلعنا نحو ما هو أقوى وأجدى .. لعلى ازعم أن كل انسان يرنوا نحو السوبرمان ، نحو ذاك الإنسان الاعلى في نفسه .. بشر بذلك (نيتشه) F. Nitzsche في فلسفة القوة والعدمية وقلب القيم رأسا على عقب .. وبشر به (كيركيجارد) S. Kierkegaard فيلسوف الوجودية فيما وراء العقل من وجدان وفيما وراء الجماعات من أفراد تتفوق ذواتهم على ذواتهم .. وبشرت به الماركسية في فناء الآحاد في المجموع وحذف الفردانية والملكية الخاصة .. وبشر به الصوفي المغرق (ابن ابراهيم الجيلي) في مقالتة (الانسان الكامل) المترقي بأحوال الالوهية الثرة .. بشر به (هتلر) و(بوذا) و(زرادشت) و(غاندي) و(فرعون) .. ولقد كانت فكرة السوبرمان هي الملهم لغسيل أوهام الافكار في رواية (بيرنارد شو) B. Sh. (الانسان والسوبرمان) ، وهي الملهم لعلو (هاملت) بعقدة اوديب لدى (شكسبير) .. وكلنا هكذا يبشر بالسوبرمان إما بقلم أو بندقية أو اخلاق أو قسوة أو عطاء بلا حساب أو بسلطة أو بإيثار أو بجريمة .. وتتجلى في ثنايا هذا التبشير كل كلمات الانسانية والحرية والكفاح والايمان والالحاد والفداء والخوف والرجاء .. هكذا يبقى الانسان يؤكد ذاته في مسيرة الحياة كلها .. ويظل لا يقنع بالراهن والماضي الا من حيث ينتظر المستقبل .. هنا يفارق الانسان أبناء عمومته من الشمبانزي والجوريلا والاورانج أوتان في حقيقة الوجود عندما ما لم يجد لحياة القطيع شيئا في فطرته الانسانية ، فيأبى أن يكون رأسا في قطيع ، بل هو ذات نادرة ، تمر في الوجود مرة دون تكرار ما بين ميلاد الفرد وموته فتترك أثرا غير كل أثر ..
لقد بلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ليس للإنسان من ماله الا ما أكل فأفنى ولبس فأبلى وتصدق فأبقى .. ومن بين هذه الكلمات كانت الحقيقة تبرز نفسها بأن قيمة الانسان ليست اكل وملبس وعيش مثل البهائم على هوام الأرض وخشاشها .. وانما قيمة الانسان أن يصير أكثر عمرانا لنفسه ومجتمعه وأعلى انسانية في قيمه ومبادئه واعظم اثرا في قوله وفعله .. فالحيوانات من ابناء عمومتنا - الذين يزعمون – إن لم تجد الكلاء حاضرا تحت حوافرها استسلمت لواقعها واسلمت نفسها للهجرات البعيدة أو للجوع محلها حتى الفناء ولم ولن تكلف نفسها لحظة عناء ببذر بذرة في طين رطب تنبت منها قمحا أو شعيرا تأكله قبل حصاده ناهيك عن أن تصنع منه خبزا أو حساء ..أما الانسان من بني آدم فهو من ضرب الارض بباطن قدمه فارتقى لأعلى ثم أعلى.. هو من دون لنفسه تاريخا من وقائع واحداث .. والا فكيف يفسر ابناء عمومتنا قيام اكبر ثورات التاريخ الحديث في اوروبا حال بلوغ الانسان أبعد دركات الانحطاط في متاع الدنيا .. انها تلك الثورة الفرنسية التي حرك نحوها قلم (فولتير) وصحبه شعوبا التصق الجلد منهم بالعظم جوعا وتقاتل الظمآى منهم على شربة من دم جيفة بليت منذ زمن .. فكيف كان للعراة الجوعى أن يحركهم القلم وتقودهم الكلمة نحو تغيير واقعهم من اصوله إلا أن يكون هو الانسان .. ان الانسان هو الكائن النازح قدما نحو السوبرمان طبعا وفطرة .. وكل على طريقته ينزع لذاك .. فلا عاد لنا قول بعدها لمن ادعى (أن الرجال والنساء لا يقرأون وهم جياع ، ولا ينصتون للخطب) .. لقد قرأ شعب (فولتير) حكاية (كنديد) وهم جائعون مدقعون في الفقر بتخمة الامراء واصحاب الثراء ، فنهض وثار وغير .. فأي عذر لنا أمام التاريخ في اوطاننا إن صدقت فينا اقوال الدعاية الاستبدادية قهرا (أن القمح والشعير هما فقط حياة الانسان .. وأن الشعوب قطعان بعير) ..
د. وائل أحمد خليل صالح الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
منذ ان اعلن (ريتشارد دوكنز) R. Dawkins أن مقصود (داروين) Ch. Darwin من تعيين أصل الانسان في سلالة الحيوان يجعله ابن عم للقرد الشمبانزي والجوريلا في نسب عائلي واحد ، وبالتالي فهم معا على قيمة واحدة متساوية في الوجود .. فاقتضى هذا ارساء مبدأ حيونة الانسان وليس أنسنة الشمبانزي .. فنحن اذن كما الانعام من ابناء عمومتنا لا يهمنا من الدنيا سوى البحث عن الطعوم النابتة على الارض أو الساعية على اربع في بواطن الوديان أو سابحة بزعانفها وخياشيمها في اعماق البحار .. نأكل ونشرب ونلهو بأطفال وبنين ، ولا شيء وراء ذلك .. ونتقاتل من أجل لقمة العيش والنسل ومتاع الطبيعة .. فمنذ ذاك ونحن نسأل أنفسنا ، والسؤال يلح ويطرق الاذان (من أين جاءنا – والحال هكذا – التطلع الدائم للعلو فوق ما نحن عليه .. ونخلق فينا ما اسميناه الحضارة ؟) .. أهي الدافعية الحيوانية داخلنا هي ما تسوقنا الى صعود درجات اعلى في الوجود ، ونرقى مراقي المجد ؟ .. لقد ذكر صديقي الفيلسوف السعودي المتفوق (عبد الرحمن بن مرشود) في اقتباس له في ختام محاضرته عن السردية والانسان أن الذئاب حين تتقاتل لا تباهي بانتصار ولا تفاخر ببطولة ، ذلك لأنها لا تسرد القصص .. فمن اين اذن جاء الانسان بالسرد والقصة ينقل بها تطلعنا نحو ما هو أقوى وأجدى .. لعلى ازعم أن كل انسان يرنوا نحو السوبرمان ، نحو ذاك الإنسان الاعلى في نفسه .. بشر بذلك (نيتشه) F. Nitzsche في فلسفة القوة والعدمية وقلب القيم رأسا على عقب .. وبشر به (كيركيجارد) S. Kierkegaard فيلسوف الوجودية فيما وراء العقل من وجدان وفيما وراء الجماعات من أفراد تتفوق ذواتهم على ذواتهم .. وبشرت به الماركسية في فناء الآحاد في المجموع وحذف الفردانية والملكية الخاصة .. وبشر به الصوفي المغرق (ابن ابراهيم الجيلي) في مقالتة (الانسان الكامل) المترقي بأحوال الالوهية الثرة .. بشر به (هتلر) و(بوذا) و(زرادشت) و(غاندي) و(فرعون) .. ولقد كانت فكرة السوبرمان هي الملهم لغسيل أوهام الافكار في رواية (بيرنارد شو) B. Sh. (الانسان والسوبرمان) ، وهي الملهم لعلو (هاملت) بعقدة اوديب لدى (شكسبير) .. وكلنا هكذا يبشر بالسوبرمان إما بقلم أو بندقية أو اخلاق أو قسوة أو عطاء بلا حساب أو بسلطة أو بإيثار أو بجريمة .. وتتجلى في ثنايا هذا التبشير كل كلمات الانسانية والحرية والكفاح والايمان والالحاد والفداء والخوف والرجاء .. هكذا يبقى الانسان يؤكد ذاته في مسيرة الحياة كلها .. ويظل لا يقنع بالراهن والماضي الا من حيث ينتظر المستقبل .. هنا يفارق الانسان أبناء عمومته من الشمبانزي والجوريلا والاورانج أوتان في حقيقة الوجود عندما ما لم يجد لحياة القطيع شيئا في فطرته الانسانية ، فيأبى أن يكون رأسا في قطيع ، بل هو ذات نادرة ، تمر في الوجود مرة دون تكرار ما بين ميلاد الفرد وموته فتترك أثرا غير كل أثر ..
لقد بلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ليس للإنسان من ماله الا ما أكل فأفنى ولبس فأبلى وتصدق فأبقى .. ومن بين هذه الكلمات كانت الحقيقة تبرز نفسها بأن قيمة الانسان ليست اكل وملبس وعيش مثل البهائم على هوام الأرض وخشاشها .. وانما قيمة الانسان أن يصير أكثر عمرانا لنفسه ومجتمعه وأعلى انسانية في قيمه ومبادئه واعظم اثرا في قوله وفعله .. فالحيوانات من ابناء عمومتنا - الذين يزعمون – إن لم تجد الكلاء حاضرا تحت حوافرها استسلمت لواقعها واسلمت نفسها للهجرات البعيدة أو للجوع محلها حتى الفناء ولم ولن تكلف نفسها لحظة عناء ببذر بذرة في طين رطب تنبت منها قمحا أو شعيرا تأكله قبل حصاده ناهيك عن أن تصنع منه خبزا أو حساء ..أما الانسان من بني آدم فهو من ضرب الارض بباطن قدمه فارتقى لأعلى ثم أعلى.. هو من دون لنفسه تاريخا من وقائع واحداث .. والا فكيف يفسر ابناء عمومتنا قيام اكبر ثورات التاريخ الحديث في اوروبا حال بلوغ الانسان أبعد دركات الانحطاط في متاع الدنيا .. انها تلك الثورة الفرنسية التي حرك نحوها قلم (فولتير) وصحبه شعوبا التصق الجلد منهم بالعظم جوعا وتقاتل الظمآى منهم على شربة من دم جيفة بليت منذ زمن .. فكيف كان للعراة الجوعى أن يحركهم القلم وتقودهم الكلمة نحو تغيير واقعهم من اصوله إلا أن يكون هو الانسان .. ان الانسان هو الكائن النازح قدما نحو السوبرمان طبعا وفطرة .. وكل على طريقته ينزع لذاك .. فلا عاد لنا قول بعدها لمن ادعى (أن الرجال والنساء لا يقرأون وهم جياع ، ولا ينصتون للخطب) .. لقد قرأ شعب (فولتير) حكاية (كنديد) وهم جائعون مدقعون في الفقر بتخمة الامراء واصحاب الثراء ، فنهض وثار وغير .. فأي عذر لنا أمام التاريخ في اوطاننا إن صدقت فينا اقوال الدعاية الاستبدادية قهرا (أن القمح والشعير هما فقط حياة الانسان .. وأن الشعوب قطعان بعير) ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق