الأحد، 28 يناير 2018

دبيب النمل ..

دبيب النمل ..
د. وائل أحمد خليل الكردي   
wailahkhkordi@gmail.com

يسعى الكبر في النفوس كسعي النمل بين الأنام ، لا يترك أثراً على المسير ولكن يصدح عنه صراخ المتألم من عقصته ..
حلق عالم وكاهن وفتى مراهق على متن طائرة صغيرة وبينما هم في حالة من شرود الذهن إذ اعلن الطيار فجأة أن عطلاً قد أصاب محركات الطائرة ويجب عليهم إخلائها فوراً . ثم أعلن على استحياء الخبر المحبط التالي : يوجد فقط ثلاثة مظلات (باراشوت) لهم هم الأربعة . هنا كان عليهم اتخاذ القرار الصعب (من الثلاثة الذين سيحصلون على المظلات ؟) ، وعلى الفور بادر العالم بالقول وهو يصادر لنفسه بحق التقدم على الآخرين (أنا عالم بارز ، والعلم هو اكثر ما يثري الانسانية بإسهامه في تقدم المعرفة ، بينما أن هذا الكاهن لا يفعل شيئاً سوى الاعتداد بخرافات نيافته . إنني وبكل صراحة استحق واحدة من هذه المظلات لذا سارتدى واحدة وأقفز بها خارجاً وآمل أن نلتقي أنا وأنتم الاثنين (الطيار والفتى) على الأرض بسلام) وما لبث أن قفز العالم من الطائرة وهو يرتدي إحدى المظلات . التفت الكاهن نحو الاثنين الآخرين وقال صائحاً (ماذا نفعل الآن ؟) فأجابه الفتى بهدوء (ليس هناك داع للجزع ، فهنالك مظلة لكل واحد منا) أردف الكاهن قائلاً (كيف وقد سمعت الطيار يقول أن هنالك ثلاثة مظلات فقط ؟ وقد صار لدينا الآن اثنان فقط) فقال الفتى شارحاً (ولكن العالم الفذ يحلق الآن في الجو بحقيبة ظهري) .
هكذا توزع الكبر بين الناس بين مغالط لغيره ومغالط لنفسه .. أما المغالط لغيره فذاك الذي أحب أن يحمد بما لم يفعل ، كذاك العالم الذي لم ينجيه كبره بما تعلم من موته بجهل ما لم يعلم .. وكم في الديار من رجال ونساء تاهوا خيلاءً بما كسبوا فاستعلوا على الناس وكشف الزمان بعد حين عورات جهلهم بزلة قدم شائنة ربما أبانت أن الذي كان الأدنى فيهم كان هو العلي ولكن الصمت واراه .. وكم من عالم تواضع لله بذل وللمؤمنين فحاز بين العوام شرفاً وقصداً للحوائج وحباً ، فنسبوا له ألقاب الفخار ما لم يدعيه هو لنفسه وإن حازها بملك يمينه .. وليس الفتى من قال ها أنا ذا ، ولكن الفتى من قال هاؤم أقرءوا كتابيا .. فتدل عليه فعاله ولا يدل هو على الفعال .. لقد زم الله العزيز من حملوا التوراة ثم لم يحملوها .. ومثلهم كل من حاز التشريف بجراب أجوف فتباهى زيفاً والله يقول فيه (لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم) ومنهم من يعلم ما هو عليه ومنهم من حسب أنه يحسن صنعاً ، ولكن الانسان على نفسه بصيرا في كل الأحوال .. ألا رحم الله استاذي ومعلمي الجليل الدكتور (عبد الله محمد توم) الذي رحل في صمت العظماء بعد أن انهى اشرافه على رسالتي للماجستير .. رحل بعد أن علمني كيف يكون الصبر على العلم .. والصبر على أحاقد أدعياء العلم وإن نالوا أعلى الرتب والألقاب .. علمني كيف يكون الصمت عن اللغو .. وكيف يكون السير قدما في دروب المعارف بصدق وحق طريق محفوف بالنيران ولكن مبلغه ألى الجنة .. علمني كيف يمنح الانسان كل ما في عقله من علم لخير القاصي والداني ، ولخير الوجيه البارز كما للأشعث الأغبر ، وأن البخيل من ضن على الناس بحرف من علم ناله يوماً بسمع وبصر .. علمني كيف أن محك النقد يصقل الفكرة ويزنها بقسطاس مستقيم فتصير أجدى وأنفع  .. علمني كيف أحذر ادعاء العلم وأنا أجهل ، فدعي العلم يظل قوله غثاً وبلا مريدين وإن دون عشرات الكتب والأسفار ، ويبقى للمخلص في غير تفاخر أجر علمه عند الله وبين الناس وإن لم يدون في العلم الرصين سوى صفحة من جريد مقطعة الأطراف .. علمني (عبد الله محمد توم) كل ذلك بشخصه دون قول وبلا تلقين .. رحم الله استاذي الجليل فقد حق لى أن أشهد له بغير تزكية أنه (المعلم) بعقد الألف واللام ، رجل لا يجب أن تنساه ساحات جامعة الخرطوم  فقد أنجبته وبر بها .. وأن لا ينساه من بات يوماً تحت جنحه طالباً .. فلقد مات والقلم يحتضر في يده يعبث بالورق ويخط حروفاً وكلمات ، ويا ليتها اكتملت ..

الانسان والسوبرمان ..

الانسان والسوبرمان ..

د. وائل أحمد خليل صالح الكردي
wailahkhkordi@gmail.com

منذ ان اعلن (ريتشارد دوكنز) R. Dawkins أن مقصود (داروين) Ch. Darwin   من تعيين أصل الانسان في سلالة الحيوان يجعله ابن عم للقرد الشمبانزي والجوريلا في نسب عائلي واحد ، وبالتالي فهم معا على قيمة واحدة متساوية في الوجود .. فاقتضى هذا ارساء مبدأ حيونة الانسان وليس أنسنة الشمبانزي .. فنحن اذن كما الانعام من ابناء عمومتنا لا يهمنا من الدنيا سوى البحث عن الطعوم النابتة على الارض أو الساعية على اربع في بواطن الوديان أو سابحة بزعانفها وخياشيمها في اعماق البحار .. نأكل ونشرب ونلهو بأطفال وبنين ، ولا شيء وراء ذلك .. ونتقاتل من أجل لقمة العيش والنسل ومتاع الطبيعة .. فمنذ ذاك ونحن نسأل أنفسنا ، والسؤال يلح ويطرق الاذان (من أين جاءنا – والحال هكذا – التطلع الدائم للعلو فوق ما نحن عليه .. ونخلق فينا ما اسميناه الحضارة ؟) .. أهي الدافعية الحيوانية داخلنا هي ما تسوقنا الى صعود درجات اعلى في الوجود ، ونرقى مراقي المجد ؟ .. لقد ذكر صديقي الفيلسوف السعودي المتفوق (عبد الرحمن بن مرشود) في اقتباس له في ختام محاضرته عن السردية والانسان أن الذئاب حين تتقاتل لا تباهي بانتصار ولا تفاخر ببطولة ، ذلك لأنها لا تسرد القصص .. فمن اين اذن جاء الانسان بالسرد والقصة ينقل بها تطلعنا نحو ما هو أقوى وأجدى .. لعلى ازعم أن كل انسان يرنوا نحو السوبرمان ، نحو ذاك الإنسان الاعلى في نفسه .. بشر بذلك (نيتشه) F. Nitzsche  في فلسفة القوة والعدمية وقلب القيم رأسا على عقب .. وبشر به (كيركيجارد) S. Kierkegaard فيلسوف الوجودية فيما وراء العقل من وجدان وفيما وراء الجماعات من أفراد تتفوق ذواتهم على ذواتهم .. وبشرت به الماركسية في فناء الآحاد في المجموع وحذف الفردانية والملكية الخاصة .. وبشر به الصوفي المغرق (ابن ابراهيم الجيلي) في مقالتة (الانسان الكامل) المترقي بأحوال الالوهية الثرة .. بشر به (هتلر) و(بوذا) و(زرادشت) و(غاندي) و(فرعون) .. ولقد كانت فكرة السوبرمان هي الملهم لغسيل أوهام الافكار في رواية (بيرنارد شو) B. Sh. (الانسان والسوبرمان) ، وهي الملهم لعلو (هاملت) بعقدة اوديب لدى (شكسبير) .. وكلنا هكذا يبشر بالسوبرمان إما بقلم أو بندقية أو اخلاق أو قسوة أو عطاء بلا حساب أو بسلطة أو بإيثار أو بجريمة .. وتتجلى في ثنايا هذا التبشير كل كلمات الانسانية والحرية والكفاح والايمان والالحاد والفداء والخوف والرجاء .. هكذا يبقى الانسان يؤكد ذاته في مسيرة الحياة كلها .. ويظل لا يقنع بالراهن والماضي الا من حيث ينتظر المستقبل .. هنا يفارق الانسان أبناء عمومته من الشمبانزي والجوريلا والاورانج أوتان في حقيقة الوجود عندما ما لم يجد لحياة القطيع شيئا في فطرته الانسانية ، فيأبى أن يكون رأسا في قطيع ، بل هو ذات نادرة ، تمر في الوجود مرة دون تكرار ما بين ميلاد الفرد وموته فتترك أثرا غير كل أثر ..
لقد بلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ليس للإنسان من ماله الا ما أكل فأفنى ولبس فأبلى وتصدق فأبقى .. ومن بين هذه الكلمات كانت الحقيقة تبرز نفسها بأن قيمة الانسان ليست اكل وملبس وعيش مثل البهائم على هوام الأرض وخشاشها .. وانما قيمة الانسان أن يصير أكثر عمرانا لنفسه ومجتمعه وأعلى انسانية في قيمه ومبادئه واعظم اثرا في قوله وفعله .. فالحيوانات من ابناء عمومتنا - الذين يزعمون – إن لم تجد الكلاء حاضرا تحت حوافرها استسلمت لواقعها واسلمت نفسها للهجرات البعيدة أو للجوع محلها حتى الفناء ولم ولن تكلف نفسها لحظة عناء ببذر بذرة في طين رطب تنبت منها قمحا أو شعيرا تأكله قبل حصاده ناهيك عن أن تصنع منه خبزا أو حساء ..أما الانسان من بني آدم فهو من ضرب الارض بباطن قدمه فارتقى لأعلى ثم أعلى.. هو من دون لنفسه تاريخا من وقائع واحداث .. والا فكيف يفسر ابناء عمومتنا قيام اكبر ثورات التاريخ الحديث في اوروبا حال بلوغ الانسان أبعد دركات الانحطاط في متاع الدنيا .. انها تلك الثورة الفرنسية التي حرك نحوها قلم (فولتير) وصحبه شعوبا التصق الجلد منهم بالعظم جوعا وتقاتل الظمآى منهم على شربة من دم جيفة بليت منذ زمن .. فكيف كان للعراة الجوعى أن يحركهم القلم وتقودهم الكلمة نحو تغيير واقعهم من اصوله إلا أن يكون هو الانسان .. ان الانسان هو الكائن النازح قدما نحو السوبرمان طبعا وفطرة .. وكل على طريقته ينزع لذاك .. فلا عاد لنا قول بعدها لمن ادعى (أن الرجال والنساء لا يقرأون وهم جياع ، ولا ينصتون للخطب) .. لقد قرأ شعب (فولتير) حكاية (كنديد) وهم جائعون مدقعون في الفقر بتخمة الامراء واصحاب الثراء ، فنهض وثار وغير .. فأي عذر لنا أمام التاريخ في اوطاننا إن صدقت فينا اقوال الدعاية الاستبدادية قهرا (أن القمح والشعير هما فقط حياة الانسان .. وأن الشعوب قطعان بعير) ..
 

اصنع عدوك .. تأكله

اصنع عدوك .. تأكله
د. وائل أحمد خليل الكردي   
wailahkhkordi@gmail.com

وحين كبرت .. لم أحصل على تأشيرة للبحر ..
لم ابحر ..
وأوقفني جواز غير مختوم على الشباك ..
لم أعبر ..
(هشام الجخ)
لم يدور بخلدي قبلاً أن يأتي يوماً أدرك فيه أن أصحاب (وعد بلفور) قد أوعزوا سراً إلى سيد شباب ثورة يوليو 1952م (جمال عبد الناصر) رحمه الله ، أن يقود حملته للنضال والبطولة عبر .طريق حافل بالبطولات رسموه له كما رسموه الماسون من قبل للسلطان عبد الحميد العثماني أخريات عهد الخلافة الإسلامية فانهارت وتم نفي السلطان وإعلان العلمانية الأتاتوركية .. ولكن طريق الثوار في يوليو 52 كان لابد أن يكون مختلفاً .. فحيث لم تعد هناك خلافة إسلامية كان لابد للطريق الجديد أن يكون معبداً باسم القومية  .. القومية العربية .. ليدفع الثوار عن بلاد العرب مستعمريها بجحافل من الخيل والسياسة ، ثم توحيد الأمة تحت راية (العروبة) الجديدة .. ولا أدري من بالتحديد  من بين أصحاب ذلك الوعد لقيام  دولة الشعب المختار على أرض أبناء كنعان عام 1948م  الذي أوعز للثائر الشاب أنك إن اردت هزيمة اليهود في بلاد العرب ، فحاربهم باسم العروبة وبهدف إعلاء القومية العربية .. فانجرف المد الطاغي من الشعوب بفعل الخطب المشتعلة وراء زعيمهم في كل مكان (ناصرياً) كان أم (بعثياً) لقتال صهيون وتحرير فلسطين المحتلة .. فكان كل نصيبهم حصد الرؤوس منهم والأرواح ، وليبقى اليهود هم كما هم .. لم يفطن اولئك العرب أنهم يقاتلون يهوداً هم جميع شعوب العالم منهم جمعتهم وحدة العقيدة والدين ، فكيف للعرق الواحد أن يغلب خليطاً من كل الأعراق .. هذا كان في الماضي القريب ، ولكن ما يحدث اليوم أدهى وأمر .. فلقد انقلب السقاء على الساقي وتبعثر الماء بعد كسر الإناء ، وأكلت قطة يعرب أبنائها .. وبات القتل والقتال في البيت الواحد تماماً كما خطط له .. فلقد فطن أصحاب الوعد قديماً أن غرس الود والوفاق وجمع الشمل على كلمة ومبدأ (القومية) ، سيعمل على مدى الزمن في تهشيش المفاصل ونخر العظام والأكتاف .. وكحال كل القوميات في التاريخ لن يصمد ما اجتمع عليه بني يعرب  ليكون يوماً حائط الصد المنيع بينهم وبين أنفسهم حال ما تنازعوا الأرض والسلطان .. وها قد خرت القومية العربية صرعى ، وصارت جامعة الدول العربية ما هي إلا صورة للفتة الكبرى وللربيع العربي الذي تساقطت أوراقه الصفراء وتعر الشجر ..
والآن يعود كل فرع لأصله من كل جنس وملة .. فمن عادوا إلى حاضرة الفرعون في مصب النيل .. ومن رجعوا إلى عمق أفريقيا السمراء وغابات الباباي والمانجو .. ومن عادوا إلى البربر الأشداء في مضارب الساحل والصحراء .. ومن ردوا إلى بابل وأشور وسومر على ضفاف الفرات .. فكلُ قد كفر بيعرب وقالوا لنا دونها أصل .
هكذا ضل الناس الطريق . فلم تجمع القومية يوماً قط قوماً .. واليوم ، زالت القومية وبقي اللسان ، شاهداً على العرب ونذير بين يدي خطر قد اقترب .. فوعد (بلفور) كان ، إذن ، مؤلف من عهدين .. عهد ظاهر ، وهو التمكين لليهود في دولة على أرض فلسطين مخالفين بذلك كافة مبادئ المشروعية الدولية في نشؤ الأمم والبلدان وحسب حق تاريخي مزعوم لو وافقهم الناس عليه لفتحوا بذلك على أنفسهم أبواباً لدعوى حقوق تاريخية لدى كل شعوب العالم عند بعضهم ولن تنسد إلا بفتنة حاصدة خاصة  بعدما تداخلت الأنساب وانتشرت الشعوب وأعيد ترسيم الرقاع .. أما العهد الباطن ، فلعلنا نضرب فيه مثلاً (إن كان ثمة عدوُ لا محالة ناهض لك .. فاسبق أنت بصنع عدوك من عجوة ، لتأكله حين الطلب) .. ولقد صنع وعد (بلفور) في طي بنوده هذا الخصم الرخو من عجوة .. وصار في كل حين يأكل منه كيفما شاء .. ولو أن هذا الوعد لم يصنع خصمه الهزيل (القومية العربية) كبديل منطقي بعد حسم الخلافة العثمانية ، لنهض أمامه عملاق الإسلام من جديد بالصارم البتار عدواً له ولا يقدرون عليه ،  وليجهض الحلم بأرض الميعاد في منامة بني اسرائيل .. نعم إن القومية العربية هي صنيعة وعد (بلفور) لتكون هي الخصم الفاشل أمام دولة صهيون حال قيامها .. ثم هكذا يظل يدور الشرق الملتهب في لعبة الكراسي .. ولكن لا ينتهى العد أبداً ولا تدق صافرة ً النهاية .. ولن نعلم من يجلسون على المقاعد ومن يظل واقفاً فيخرج من اللعبة

مفارقة الكذاب ..

مفارقة الكذاب ..

د. وائل أحمد خليل صالح الكردي
wailahkhkordi@gmail.com

دخل الفيلسوف الرياضي إلى قاعة المحاضرات العامة ، ونظر الى الحضور ، ثم قال (كل من في هذه القاعة كذابون .. كل من في القاعة .. فهل أنا كذاب ؟) .. قال احدهم (نعم انت كذاب .. لان كل من بالقاعة كذابون ، وانت منهم) .. فرد الفيلسوف قائلاً (أنا قد صدقت في قولي أن كل من بالقاعة كذابون .. فكيف أكون صادقا وأنا كذاب ؟) .. فقال آخر (اذن .. أنت صادق) .. فرد الفيلسوف (   وكيف اذن يكون كل من بالقاعة كذابون ، وأنا منهم؟ .. كيف يمكن ان اكون صادقا من حيث اني كذاب ، أو أكون كذابا من حيث اني صادق ؟) ..
سميت هذه المفارقة في ادبيات الفلسفة التحليلية والرياضية (مفارقة الكذاب)Lier paradox     .. ولكنها لم تعد مشكلة رياضية منطقية صرف وانما دارت دوائرها في رحى المجتمعات الانسانية والشعوب .. فكمن أراد أن يصير ملحدا عاد للسؤال البدائي الذي تجاوزته جهود المستدلين والمستنبطين منذ ازمان غابرة (اثبت لي ان الله موجود ؟) .. وكمن اعتلى منصة للرئاسة ازاح من بعد اعتلائه كل السلم الصاعد في العمران من قبله ليبدأ الناس معه مرة أخرى من بداية الدرج وفق عهده هو لا من سواه .. وكمن تعددت زوجاته ففسد اولاده الكثر منهن ، فقال لست أنا السبب فقد ربتهم أمهاتهم ، فيبرأ من الكل ويبدأ بواحدة جديدة ثم أخرى ثم اخرى وهلم جرا .. والكل يجد لنفسه عذرا ..
ثم تظهر (مفارقة الكذاب) كاشفة من ولي أمر أمة فأضاق على أهلها عيشهم بسوء فعاله .. فهل هو من هذا الشعب ؟ اذن ، فلا مناص له من أن يعيش شقاء عيشهم وشظفه .. وإما أن لا يكون منهم ، عندها لا حق له في حكمهم أصلاً .. وليسأل كل حاكم على الناس نفسه قبل أن يسألوه .. هل يجد هو ما يجدون من عنت بنفس القدر يد بيد وساق بساق جوعا وفقرا وربطا للحجارة على البطن وتذللا للقمة العيش ومصاريف الحياة وأغراضها .. أم أنه هو الوالي لا يشقى بشقاء شعبه وكل شيء لأجله ميسر .. فأن كان هو ذاك الملك الذي اقترح على الناس أن يأكلوا الكيك والكاتوه حين عز الخبز على الناس لينه ويابسه ، فليتبوأ له مقعدا من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فشقق عليه) .. ولا يقولن أحد أن للحكم والسلطان لأبهة بالضرورة فيها تلبية لكل حاجات النفس لمن رأس كي يفرغ لملكه العريض ،ولكي يقدر على السياسة ويقوى على الإدارة .. فهذا قول هراء باطل .. ابطلته تجربة (عمر بن عبد العزيز) في زمانه حيث لا نبي ولا صحابة .. وحيث ميراث الحكم في ذاك الزمان ارضا امتدت نحو أقصى الشرق وأقصى الغرب وحملت فوقها اكثر الناس والخلق .. وحيث لم يكن مع كل هذا الاتساع طائرات ولا سيارات ولا صواريخ عابرة للقارات تجعل من أمر تنفيذ أي قرار هونا ويسرا ، وبلوغ اطراف الارض لمحا بالبصر .. ولكن (عمرا) حين صدق واشاع عدلا شهدت له الدنيا وأغنى به كل الخلائق من فضل الله دانت له كل الارض طوعا بأمر الله وتقاربت اليه اطرافها على اظهر النوق والخيل دون طائرات ووسائط اتصال .. صار (عمر) اشد بني الامة فقرا وضيق عيش وبكاء بعد الولاية وهو الذي كان ربيب النعم واليسار قبلها .. وكان كفاه أن بحث الناس في بلاده عن فقير مسكين ليعطوه من مال الدولة المتدفق ذكاة ، فلم يجدوا سواه محتاجا ..  لقد عم في عامين فقط  كل أمصار الدنيا على عهد (عمر) خير زاد عن حاجة الطالبين .. في عامين فقط .. أما في حاضرنا وبكل التقنيات ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة واسباب المال العظمى ومنافذ الطاقة ومشروعات الاستثمار ومازال من يحكمون يطلبون من شعوبهم أن يصبروا قهرا على مهلة سنوات بالعشرات من اجل فقط الاعداد لشيء من العدل ضئيل محتمل ، وقد يكون وقد لا يكون .. رحم الله (عمر بن عبد العزيز) بما اثقل به التركة على ظهر كل من أتى وسيأتي عقبا له حاكما على امته في أي زمان .. ولقد افحم (عمر) التاريخ بحجة لا عذر لمعتذر بعدها أن لا يعدل بين الشعب ونفسه هو وليس فقط بين الشعب وبعضه .. فسيشقق الله تعالى وإن طال الأمد على من شق على أمته وسلبها مالها وشرفها وحقها أن تحيا ، واضاق عيش أمته بهناءة عيشه ، وقض مضاجع نومهم في عراء بارد ورفل هو في دفئ فرش الحرير والديباج ووسائد ريش النعام في داخل قصره المعروش .. ولعل لسان حاله ومقاله يرد على الجياع (انما هي ارزاق العباد يقسمها الله كيف شاء) وصدق .. لكن تظل دعوة الرسول قائمة عليه بما كسبت يداه ولا مفر ..  أما واجب العباد فهو شكر النعم بأفضل الجهاد وهو قولة حق أمام سلطان جائر ..

تقنيات منطقية لمحاورة الساينتيزم Scientism

(دورة تدريبية)
تقنيات منطقية لمحاورة الساينتيزم Scientis
اعداد وتنفيذ / د. وائل أحمد خليل الكردي

أولاً / هدف الدورة :
تهدف الدورة إلى تحقيق رفع الكفاءة المنطقية في الرد التناظري على الاتجاهات الساينتزمية (العلموية) ، وتوظيف وإدارة الأفكار في ذلك .

ثانياً / وسائل الدورة :
1- المحاضرة التفاعلية
2- عروض مشاهدة
3- نصوص
4- السيناريو الدرامي
5- المراجع

ثالثاً / القيد الزمني للدورة :
من 5 إلى 8 جلسات – على مدى 3 إلى 5 أيام

رابعاً / محاور الدورة :
المحور الأول : تفصيل بيان اتجاهات الساينتزم ونتائجه :
1- الوثوقية العلمية (أساس الساينتزم) : يقوم على تفسير إيجابي على نتائج العلوم الطبيعية وإثبات منطق القيم – الثنائية .
2- الا-أدرية : شكية تقوم على تفسير سلبي على نتائج العلوم الطبيعية على مرجعية (ديفيد هيوم) .

النتائج الساينتزمية :
1- النزعة الإنسانية : وهي الكفر بكافة الأديان ورفض فكرة الدين مع بقاء الاعتقاد بالخالق أو الإلحاد الكامل .
2- النزعة التعطيلية : وهي حذف دور الدين من الحياة العامة رغم الاعتقاد فيه الدور -  الذاتي فقط للدين (العلمانية Secularism ) .

المحور الثاني : ضروب لاستدلال العام :
1- أشكال القياس Syllogism
2- الاستقراء والاستنباط  Induction & Deduction
3- المسلمات Axioms   والفرضيات Hypotheses
4- القوانين Laws ، القواعد Rules ، النظريات Theories

المحور الثالث : تقنية المواجهة في الغرفة المظلمة :
(أ) ألإشارة إلى أن نتائج الساينتزم مبنية على النظريات العلمية وليس القوانين العلمية . 
(ب) مبدأ الإعجاز العام للقرآن الكريم من الناحية العلمية هو صفة (إدارة المعرفة العلمية) ، من جهة فك الارتباط بين القوانين العلمية والعقيدة من حيث بنية القوانين العلمية . وإثبات الارتباط من جهة الإشارة العقدية إليها وفق منطق (الرؤية الكونية الشاملة) واحتواء الكل للجزء والأعلى للأدنى (سنريهم آياتنا ...) .
(ج) ضرب نقاط الفاقد المعرفي لدى الساينتزم الوثوقي وليس نقاط الثابت المعرفي (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) – وذلك على قسمين :
1- دحض الساينتزم اللا-أدري وفق حجة (الانتظام الكوني الغائي والوظيفي) .
2- دحض الساينتزم الوثوقي وفق حجة (خرق النتظام الكوني) ومشكلة السببية (قوائم مل Mill ) .


المحور الرابع : تقنية الرد التوليدي (المنهج السقراطي) :
1- بيان المنهج التوليدي السقراطي وعناصره .
2- دلالة الخلق الكوني للخالق (الادعاء بالخلق) – حجة ابراهيم عليه السلام .
3- تحويل دوافع إثبات الإلحاد الساينتزمي إلى دوافع مضادة له  (تقنية أحمد ديدات).
4- سؤال العدم .

المحور الخامس : تقنية استغلال العقل الآخر :
وهو دلالة الفائدة الوظيفية للإيمان وضرورته العملية في تحديد ورسم معاني المفاهيم على مستوى الشعوب والقبائل  :
1- الإنسانية ، لحرية ، التطور الاجتماعي والعمراني ، الأخلاق .
2- اللغة القرآنية .
3- الحجة التاريخية .
4- نظرية البارادايم Paradigm   واللا-قياسية .