غريزة الحرب ..
د. وائل أحمد خليل الكردي
منذ أن كان الرومان القدماء في امبراطورياتهم يلقون بالرجال المحكوم عليهم بالموت إلى حلبات الأسود الجائعة لتنهش لحومهم وعظامهم وهم أحياء في نشوة وتلذذ لدى جميع ممن حضروا قصداً لتلك المتعة يطلقون ضحكاتهم الصارخة في آذان من تمزقهم الأسود ليزيدوا في عذابهم ضعفين .. ومنذ أن كانت تنصب المقاصل في زمان غابر لتوضع تحتها رؤوس الخارجين فتفصلها أنصال المقاصل عن أجسادهم تحت أعين السمار رجالاً ونساء بساحات يتصاعد منها الغبار شاهداً على ظلم الإنسان وجرمه .. منذ ذاك ، وكثيرون هم الذين صاغوا أفكاراً سوداء حول غرائز الإنسان فقالوا أن الإنسان في الأصل كائن مجبول في أصله على فطرة الشر ، يكمن حب الصراع والمقاتلة في أبرز غرائزه .. فلا غرو إن كانت الحرب هي السمة الغالبة في حياة الناس وعلاقة البشر بعضهم ببعض ، فالإنسان هو ذئب على أخيه الإنسان ، والجميع هم في حرب ضد الجميع .. ومن ثم بحث أولئك طويلاً عن حلول لطغيان الإنسان حتى لا تؤدي تلك الحروب الغريزية إلى فناء الجنس البشري من أصله وحتى يسود حكم القانون ورسم الحقوق وتعيين الواجبات. ولكن بالرغم من سلطان التشريعات والحدود على الشعوب ، إلا أننا نظل نرى كيف أن تلك النزعة الغريزية للحرب تأبى إلا أن تخرج وتكشف عن نفسها في كل عصر وكل محفل هنا وهناك على صور شتى .. وسرعان ما تضرب الحرب سياطها فتجلد ظهور المدائن والبوادي .. وتشتعل النيران ويموت الآلاف تلو الملايين من ضحايا البشر ، ويلقى الناء القصي والداني حتفه صريع الحروب المضرمة ربما لأتفه الأسباب .. تتعدد الأوجه والأغراض وتبقى الحرب هي الحرب ..
لأجل هذا كان من أوحى للناس بتفريغ تلك الغريزة القاتلة عبر (كرة القدم) جديراً بألقاب البطولة الإنسانية .. فقد استثمر بكرة القدم - وكذلك ما نحوها من رياضات التنافس – غريزة الحرب لدى أبناء آدم لتكون سبيلاً نحو التآلف السلمي بين الشعوب .. ولتصير ميادين كرة القدم حقلاً لإشباع تلك الغريزة بلا جراح أو موت أو تدمير .. فترى الناس يتقاتلون فيها دون قتل .. وفي نفس الوقت قد أظهرت هذه الرياضة من تلك الغريزة كل ما كان قد خفي منها في مشاهد مدرجات جماهير مشجعي كرة القدم الغفيرة وحماسهم الذي إن بلغ أعلى سنامه تجرد الفرد منهم بنحو وجد صوفي (هيستيري) عن الإحساس بذاته ومن حوله فيجيء بما لم يكن ليتصرف به قط وهو خارج الملعب .. وكل ما كان عليه لحظتها أن اختلط الولاء بالحب لفريقه حين الحرب ..
إن كرة القدم سرعان ما تحولت بتلبيتها لتلك الغريزة الخطرة في الإنسان إلى عامل له أثر كبير على تحولات الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية وربما السياسة أيضاً وعنصراً من عناصر الدبلوماسية الجديدة .. لم تعد كرة القدم كما يحلو للبعض تصويرها لفة من الجلد يركض وراءها إثنان وعشرون رجلاً ، بل صارت هي لغة الحرب المعاصرة .. ولكن هل يا ترى إذا تزايد المد الطاغي للتعصب عن حده في عشق وممارسة كرة القدم أن تتحول في المستقبل من الحال السلمي للقتال إلى حروب ذات جراح ودماء بأقسى مما عليه حروب المدفع والبندقية ؟ ..
د. وائل أحمد خليل الكردي
منذ أن كان الرومان القدماء في امبراطورياتهم يلقون بالرجال المحكوم عليهم بالموت إلى حلبات الأسود الجائعة لتنهش لحومهم وعظامهم وهم أحياء في نشوة وتلذذ لدى جميع ممن حضروا قصداً لتلك المتعة يطلقون ضحكاتهم الصارخة في آذان من تمزقهم الأسود ليزيدوا في عذابهم ضعفين .. ومنذ أن كانت تنصب المقاصل في زمان غابر لتوضع تحتها رؤوس الخارجين فتفصلها أنصال المقاصل عن أجسادهم تحت أعين السمار رجالاً ونساء بساحات يتصاعد منها الغبار شاهداً على ظلم الإنسان وجرمه .. منذ ذاك ، وكثيرون هم الذين صاغوا أفكاراً سوداء حول غرائز الإنسان فقالوا أن الإنسان في الأصل كائن مجبول في أصله على فطرة الشر ، يكمن حب الصراع والمقاتلة في أبرز غرائزه .. فلا غرو إن كانت الحرب هي السمة الغالبة في حياة الناس وعلاقة البشر بعضهم ببعض ، فالإنسان هو ذئب على أخيه الإنسان ، والجميع هم في حرب ضد الجميع .. ومن ثم بحث أولئك طويلاً عن حلول لطغيان الإنسان حتى لا تؤدي تلك الحروب الغريزية إلى فناء الجنس البشري من أصله وحتى يسود حكم القانون ورسم الحقوق وتعيين الواجبات. ولكن بالرغم من سلطان التشريعات والحدود على الشعوب ، إلا أننا نظل نرى كيف أن تلك النزعة الغريزية للحرب تأبى إلا أن تخرج وتكشف عن نفسها في كل عصر وكل محفل هنا وهناك على صور شتى .. وسرعان ما تضرب الحرب سياطها فتجلد ظهور المدائن والبوادي .. وتشتعل النيران ويموت الآلاف تلو الملايين من ضحايا البشر ، ويلقى الناء القصي والداني حتفه صريع الحروب المضرمة ربما لأتفه الأسباب .. تتعدد الأوجه والأغراض وتبقى الحرب هي الحرب ..
لأجل هذا كان من أوحى للناس بتفريغ تلك الغريزة القاتلة عبر (كرة القدم) جديراً بألقاب البطولة الإنسانية .. فقد استثمر بكرة القدم - وكذلك ما نحوها من رياضات التنافس – غريزة الحرب لدى أبناء آدم لتكون سبيلاً نحو التآلف السلمي بين الشعوب .. ولتصير ميادين كرة القدم حقلاً لإشباع تلك الغريزة بلا جراح أو موت أو تدمير .. فترى الناس يتقاتلون فيها دون قتل .. وفي نفس الوقت قد أظهرت هذه الرياضة من تلك الغريزة كل ما كان قد خفي منها في مشاهد مدرجات جماهير مشجعي كرة القدم الغفيرة وحماسهم الذي إن بلغ أعلى سنامه تجرد الفرد منهم بنحو وجد صوفي (هيستيري) عن الإحساس بذاته ومن حوله فيجيء بما لم يكن ليتصرف به قط وهو خارج الملعب .. وكل ما كان عليه لحظتها أن اختلط الولاء بالحب لفريقه حين الحرب ..
إن كرة القدم سرعان ما تحولت بتلبيتها لتلك الغريزة الخطرة في الإنسان إلى عامل له أثر كبير على تحولات الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية وربما السياسة أيضاً وعنصراً من عناصر الدبلوماسية الجديدة .. لم تعد كرة القدم كما يحلو للبعض تصويرها لفة من الجلد يركض وراءها إثنان وعشرون رجلاً ، بل صارت هي لغة الحرب المعاصرة .. ولكن هل يا ترى إذا تزايد المد الطاغي للتعصب عن حده في عشق وممارسة كرة القدم أن تتحول في المستقبل من الحال السلمي للقتال إلى حروب ذات جراح ودماء بأقسى مما عليه حروب المدفع والبندقية ؟ ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق