القصعةُ وأكلتها ..
د. وائل أحمد خليل الكردي
كثيراً ما يقع الناقد في ميدان المؤلفات الأدبية والفكرية ضحية الإشادة لعمل هو يستحق الإشادة بحق .. ولكنه عمل مستلب أو مستعار وغير منسوب لأصله .. ولكن برغم أنه يكون قد تم تحويره في النسخة المستعارة لتبدوا مغايرة شكلاً ، وليس مضموناً ، لما عليه أصل العمل أو أن يتم هذا التحوير ليس بنقل المكتوب إلى مكتوب آخر ولكن بنقل المكتوب سرداً إلى سيناريو ثم تحويله إلى عرض Performance من مشاهد وفصول وحلقات تظهر العمل المكتوب في أصله في ثوب جديد متحول .. برغم كل ذلك إلا أن اجتماع الأصل مع النسخة المنحولة في لحظة حضورٍ ومقارنةٍ واحدةٍ يظهر على الفور أن هذه اقتباس عن تلك أمام عين المطالع الهاوي ناهيك عن عين الناقد الحصيف الحاذق ..
لقد عرض على التلفاز في مطلع التسعينات مسلسل سوري غاية في القوة والإتقان وأصالة الفكرة وجودة الحبكة في المغذى والمضمون والصنعة ، وكان بعنوان (شبكة العنكبوت) قاده مؤدين بارزين مشهورين في الدراما العربية في سوريا .. وحكى عن صنف فريد ومعقد من العلاقة النفسية بين أفراد اسرة عربية عادية وكانت من جانب الولد الوحيد فيها على والدته وأخوته الثلاثة البنات ، حاول أن يخلق من هذه الأسرة (يوتوبيا) أي مدينة فاضلة منكفئة على نفسها فقط ومنعزلة عن العالم غيرها تماماً ويكون هو محورها وحاكمها ، واصطنع للحفاظ عليها هكذا شتى الوسائل والحيل ولو باصطناع المرض الذي افضى به إلى الوفاة في نهاية الأمر .. كان الناس وقت عرض المسلسل طي الاعجاب الشديد بذلك المؤلف العبقري الملهم الذي كتب قصته ليبلغ بها مصاف عظماء الرواية النفسية العالمية أمثال (دستويفسكي) أو (تشيخوف) أو (أندريه موروا) أو (كولن ويلسون) ومن هم على هذا المقام .. ومن فرط ما حظي به هذا المسلسل من اهتمام وثناء أن انبرى له شيخ النقاد في السودان الأستاذ (هاشم صديق) وأفرد له عدداً من حلقات برنامجه المشهود (دراما 90) وتحدث عنه بتفصيل وتدقيق وتحليل بالغ ورائع .. ولكن وبعد كل ذلك يشاء الله أن تقع بين يدي رواية فرنسية قديمة كانت في مكتبة المنزل ترجمت إلى العربية في عام 1965م بعنوان (العنكبوت) لمؤلفها (هنري تروايا) وقد حازت حال نشرها في فرنسا على جائزة (جونكور) العالمية في سنة 1939م ، فإذا بهذه الرواية الفرنسية هي أصل فكرة هذا المسلسل السوري دون أدنى ريب ، ولكنها مجسدة على واقع الحياة في فرنسا بينما أفلح منتج المسلسل السوري في تفصيلها ببراعة على الواقع السوري فينسجم وبنية المشاهد العربي فلا يشك في أنه عمل مقتبس ودون أية اشارة أو تلميح عن النص الأصلي ..
لعل من أهم منجزات عصرنا الراهن ذلك الاهتمام التشريعي والقانوني الكبير بحق الملكية الفكرية وحمايته .. فقد شاعت في بلادنا لعقود سلفت سرقة الحقوق الأدبية ظهر منها الكثير وما ظل خافياً كان أعظم ، لعدم الالتفات لجدوى رعاية هذا النوع من الحقوق إلا مؤخراً .. ولكن رغم ذلك تتطور الجريمة دائما تطوراً مساوقاً لتطور تدابير مكافحتها فتأتي بكل طارف ومستحدث .. ولكن ليعلم صاحب العمل النبيل أدباً كان أو علماً أو فكراً أن سارقه ليس بأغنى منه في رصيد الإحسان ، لأن لصاحب العمل النبيل بكل حرف يفيد منه إنسان حسنةً وأجر وفير .. بينما لسارقه بذات الحرف وزر وإثم كبير .. فالعمل الفكري لصيق بصاحبه التصاق الابن بأبيه ولا فكاك وإن تربى في غير موطنه ولكنه حتماً هو له .. وكفى للمرء حباً لمظلمة نفسه لدى العباد ما دام أن من سيدافع عنه هو الله .. وفضل الأكل في القصعة دوماً لصاحبها ولا غير ..
د. وائل أحمد خليل الكردي
كثيراً ما يقع الناقد في ميدان المؤلفات الأدبية والفكرية ضحية الإشادة لعمل هو يستحق الإشادة بحق .. ولكنه عمل مستلب أو مستعار وغير منسوب لأصله .. ولكن برغم أنه يكون قد تم تحويره في النسخة المستعارة لتبدوا مغايرة شكلاً ، وليس مضموناً ، لما عليه أصل العمل أو أن يتم هذا التحوير ليس بنقل المكتوب إلى مكتوب آخر ولكن بنقل المكتوب سرداً إلى سيناريو ثم تحويله إلى عرض Performance من مشاهد وفصول وحلقات تظهر العمل المكتوب في أصله في ثوب جديد متحول .. برغم كل ذلك إلا أن اجتماع الأصل مع النسخة المنحولة في لحظة حضورٍ ومقارنةٍ واحدةٍ يظهر على الفور أن هذه اقتباس عن تلك أمام عين المطالع الهاوي ناهيك عن عين الناقد الحصيف الحاذق ..
لقد عرض على التلفاز في مطلع التسعينات مسلسل سوري غاية في القوة والإتقان وأصالة الفكرة وجودة الحبكة في المغذى والمضمون والصنعة ، وكان بعنوان (شبكة العنكبوت) قاده مؤدين بارزين مشهورين في الدراما العربية في سوريا .. وحكى عن صنف فريد ومعقد من العلاقة النفسية بين أفراد اسرة عربية عادية وكانت من جانب الولد الوحيد فيها على والدته وأخوته الثلاثة البنات ، حاول أن يخلق من هذه الأسرة (يوتوبيا) أي مدينة فاضلة منكفئة على نفسها فقط ومنعزلة عن العالم غيرها تماماً ويكون هو محورها وحاكمها ، واصطنع للحفاظ عليها هكذا شتى الوسائل والحيل ولو باصطناع المرض الذي افضى به إلى الوفاة في نهاية الأمر .. كان الناس وقت عرض المسلسل طي الاعجاب الشديد بذلك المؤلف العبقري الملهم الذي كتب قصته ليبلغ بها مصاف عظماء الرواية النفسية العالمية أمثال (دستويفسكي) أو (تشيخوف) أو (أندريه موروا) أو (كولن ويلسون) ومن هم على هذا المقام .. ومن فرط ما حظي به هذا المسلسل من اهتمام وثناء أن انبرى له شيخ النقاد في السودان الأستاذ (هاشم صديق) وأفرد له عدداً من حلقات برنامجه المشهود (دراما 90) وتحدث عنه بتفصيل وتدقيق وتحليل بالغ ورائع .. ولكن وبعد كل ذلك يشاء الله أن تقع بين يدي رواية فرنسية قديمة كانت في مكتبة المنزل ترجمت إلى العربية في عام 1965م بعنوان (العنكبوت) لمؤلفها (هنري تروايا) وقد حازت حال نشرها في فرنسا على جائزة (جونكور) العالمية في سنة 1939م ، فإذا بهذه الرواية الفرنسية هي أصل فكرة هذا المسلسل السوري دون أدنى ريب ، ولكنها مجسدة على واقع الحياة في فرنسا بينما أفلح منتج المسلسل السوري في تفصيلها ببراعة على الواقع السوري فينسجم وبنية المشاهد العربي فلا يشك في أنه عمل مقتبس ودون أية اشارة أو تلميح عن النص الأصلي ..
لعل من أهم منجزات عصرنا الراهن ذلك الاهتمام التشريعي والقانوني الكبير بحق الملكية الفكرية وحمايته .. فقد شاعت في بلادنا لعقود سلفت سرقة الحقوق الأدبية ظهر منها الكثير وما ظل خافياً كان أعظم ، لعدم الالتفات لجدوى رعاية هذا النوع من الحقوق إلا مؤخراً .. ولكن رغم ذلك تتطور الجريمة دائما تطوراً مساوقاً لتطور تدابير مكافحتها فتأتي بكل طارف ومستحدث .. ولكن ليعلم صاحب العمل النبيل أدباً كان أو علماً أو فكراً أن سارقه ليس بأغنى منه في رصيد الإحسان ، لأن لصاحب العمل النبيل بكل حرف يفيد منه إنسان حسنةً وأجر وفير .. بينما لسارقه بذات الحرف وزر وإثم كبير .. فالعمل الفكري لصيق بصاحبه التصاق الابن بأبيه ولا فكاك وإن تربى في غير موطنه ولكنه حتماً هو له .. وكفى للمرء حباً لمظلمة نفسه لدى العباد ما دام أن من سيدافع عنه هو الله .. وفضل الأكل في القصعة دوماً لصاحبها ولا غير ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق