~~~~~~~~~~~
الرواق الجديد ، في بلاد الحرمين ..
د. وائل أحمد خليل الكردي
wailahkhkordi@gmail.com
أسس (زينون) Zeno الاغريقي في أعوام ميلاد المسيح الأولى مدرسة أخلاقية كانت على رواق يعبر فيه المشاؤون من الطلاب مع معلميهم .. وأثناء المسير كان علم المنطق يختلط بالقيم النبيلة وبالغايات السامية للإدراك وبالعلوم وبالفن ثم بمقامات الزهد التربوي .. هكذا كانت مدرسة الرواق قديماً ، يأكلون فيها الخبز مع المحبة بالعلم ومن حولهم الأخلاق وسواء النفوس وحقول الالهام .. لكأنما هذًا المعلم (زينون) قد عرف في زمانه أن العلم في الدنيا لا يرثه بحقه إلا من كان قلبه منذ نعومة الأظافر وبراءة الطرف مهبطاً للسمو الروحاني ومحلاً للسكينة والوقار ..
ولكن جاء علينا زمان كنا نحن فيه صغاراً قبل عقود وسنوات .. كنا نرى عصا الاستاذ قائمة خلف الأسطر والكلمات .. ويلوح لنا في الخيال شبح زملائنا في الصف وهم يهزئون على حالنا لحظة أن يوبخنا المعلم علناً على ذنب سقط من جوارحنا سهواً ولم تستوعبه عقولنا الصغيرة تلك حينها ، يهزئون بأفواههم وابتساماتهم المرسومة اصطناعاً لتخفي من دونها انتفاضة في الصدر زعراً وهلعاً وأسفاً على حالهم مثل حالنا عندما يأتي الغد ويسقط الذنب من جوارهم سهواً كما سقط منا وهم لا يدرون ، فينزل بهم العقاب وليس على صوم او صلاة .. حقاً لقد كان التعليم للمعلومات في المدارس قوياً شامخاً متين الجنبات والبنيان .. ولكن .. أين كان الإنسان وقتذاك بين صفحات الكتب وكراسات الدروس وأسنة الأقلام ؟ .. وها قد عادت الطفولة في البلاد اليوم كما كانت في ماضينا تشتهي أن تأكل الحلوى مع كل رفع ونصب وجمع وطرح واعراب وما نحو ذاك ، ولكن هيهات .. وبعد أن كبرنا ، كبرت معنا مخاوفنا على أبنائنا من عصا الأستاذ ومن سوء المنقلب لهم إذا ما يوماً اختلطت في حقائبهم المثقلة أوراق الإملاء برهبة الامتحان وسرعة دقات القلوب الواجفة في الصدور الصغيرة وتدافع الزفرات والعبرات في أنبوب الهواء عند انقطاع الحبر من المحبرة أو كسر سنة القلم الرصاص وقد محى الأستاذ كل المكتوب على السبورة بين غفلة الحلم منهم وانتباههم .. فيضيع منهم الحفظ ويعز الكلام عن الخروج ، فماذا يفيد العلم والنفوس منكسرة والهناءة مفقودة .. ولكن كل ذاك الخوف مني على أبنائي تساقط كأوراق الأشجار اليابسة عندما الحقتهم برواق جديد في بلاد الحرمين الأكرمين .. لم اكن أنظر حينها إلى حشو الرؤوس بالعلوم والوجدان خاوِ ، ولكن الاعتبار عندي كان لمليء النفوس بالثقة والمحبة والأمان والأمل .. هنا إذا تعلم الابن حرفاً بحب واعزاز نفع به وانتفع بطول حياته ، وإن تلقى الابن درسه بكره طارت كل اسفار العلوم من رأسه كأن لم تجاوز حلقه المسدود بالخوف إلى صدره يوماً .. لقد وجدت هناك في السعودية المعلم والمعلمة في مدارس الأولاد والبنات وذاك الخلق الكريم بعينه يسعى بين فلذات الأكباد يسبغون عليهم الأدب والنفس السوية وكرامة الانسان منذ المهد .. وكم حلقت أرواح أبنائي سعادة بفضل المعلم السعودي والمعلمة ، وحلقت معهم ، عندما ارتاحت نفوسهم لمدارسهم وتصالحت عقولهم مع قلوبهم فصار الدرس أشهى والرواح للمدرسة نزهة وشغف .. إن أهم ما قد غرسه المعلم السعودي في الأبناء التلاميذ ثقتهم بأنفسهم وانطلاق قدراتهم ومواهبهم من طي أعماقهم ، فأثمر العلم بهذا سعة للأفق لديهم وخبرة ليست باليسيرة .. وكم ترقرق الدمع في المقل من روعة مواقف ذاك المعلم معهم في العدل ورد الحقوق وطيب الكلام وعاطر العبارات وشكر العمل الطيب إن جادوا به ولو قل والرحمة والعفو منه فيما أخطأوا .. كيف لا واوراق ابنتي شاهدة على ما دونته المعلمات لها من شكر وشكر جزيل ممهوراً بالتواقيع عندما تصيب في الحلول والأجوبة ، وكم لهذا الشكر الكريم من المربي على الغض الصغير من وقع وأثر .. إنها أخلاق دين الله التي تتحدث فيهم ، فحين قال الأخرون من الجفاة (لا شكر على واجب) أبى الله إلا أن يتم نوره بأن لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى وأن كل فعل واجب كان أو نافلة يجزى عليه المرء بعشرة أمثاله ثواباً من عند الله ويضاعفه لمن يشاء .. ذلكم هو الرواق الجديد بروح ذاك الرواق القديم وتعاليم رب السماء .. فلله دركم أيها المعلم والمعلمة في أرض الحرمين وبلاد الرسول الأمين ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق