الثلاثاء، 10 يناير 2017

استراتيجية إعادة السيطرة .. د. وائل أحمد خليل الكردي

استراتيجية إعادة السيطرة ..

                 د. وائل أحمد خليل الكردي    
wailahkhkordi@gmail.com

يقول الله تعالى (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد) .. ذلك خوف كبير من مصير من اثاقلوا إلى الأرض فاجترحوا ظلما وباتوا عليه قائمين ، ثم لم يأخذ على يديهم من بين الناس من كان فيهم رجل رشيد .. فسيعمنا الله بعقاب ..
(أن الفقر هو صنو الجهل وصنو المرض ، ومتى اجتمع الثلاثة كفر الشعب بالدولة ومات في النفوس كل شعور وطني) .. (كيف يطلب من مواطن أن يحب وطناً ويقدره وهو يجهل تاريخه ولا يشعر في كنفه بأنه ينعم بما تأمنه الدول الأخرى لرعاياها من طمأنينة وهناءة) .. تلك الكلمات هي حقيقة شرع الله في الإسلام ، كتبها (أدولف هتلر) ديكتاتور ألمانيا الرهيب .. كتبها عندما وجد مع كل ما آتاه الله من قوة وبأس وبرغم كل محارقه ومقاصله أنها الحق .. فاصدرها في كتابه (كفاحي) الذي فرضه على جميع أفراد الحركة النازية والذي صار هو دستورها ..
وفي بلاد النيلين العظيمة أوشك أن يصر حالها اليوم تلك البئر المعطلة .. فقراً ومرضاً وأقلام لا تمحو جهلاً .. ولكننا مازلنا أحياء .. فلا بد إذن من بذل الجهود للنجاة .. ولابد من إعادة السيطرة لحكمية ما أنزل الله بحكم القانون .. لذا لا مناص من رسم صورة استراتيجية لأجل إحياء الموات من ثروات البلاد ورواء حلوق من عانوا كثيراً بقطرة من عدل ولقمة عيش ..
ويجوز لنا في هذا الظرف أن لا نكتم قولاً متى حضرنا ، ولابد من وضع الحلول على أصول المشكلات . ومن ذلك وضع الخطة الاستراتيجية للإصلاح العاجل في مدىً لا يجاوز العامين من تاريخه .. وبعد العامين حصاد الثمر والعود إلى الوضع المستقر . ويمكن في ذلك الدفع بما يلي :
أولاً – تعليق منصب رئيس الجمهورية وتولية مقاليد إدارة الدولة إلى مجلس وزراء تنفيذي ويرأسه (رئيس وزراء) ، وتقليص الظل الإداري الحكومي إلى أقصى حد مع إلغاء منصب وزير الدولة .
ثانياً – الدمج الفوري لجهاز الأمن في هيئة الاستخبارات العسكرية بالقوات المسلحة . والدمج العاجل لقوات الدعم السريع ضمن القوات الخاصة بالقوات المسلحة وإدخالها تحت العقيدة القتالية لها وتحت ميزانيتها المالية المعلومة حتى لا تتحول الدعم السريع إلى قوات ارتزاق قاسمة لظهر الدولة ، فالقوات المسلحة هي الفصيل الوطني المقاتل وكذا ينبغي أن تكون وحدها ولا يجب تفتيتها ومزاحمتها بقوات أخرى . إضافة إلى تحقيق تركيز ميزانية الصرف الأمني بهذا وحسم الهدر .
ثالثاً – وضع قوات الشرطة تحت إمرة وزارة الدفاع في المرحلة الراهنة كقوة داخلية مساندة وصياغة برنامج عمل أمني مشترك . وتكليف قائم بأعمال وزارة الداخلية لأغراض المعاملات الخدمية المدنية . مع رفع حاجز الترقي بالقوات النظامية لكل الرتب إلى خمس سنوات بحد أدني للتهيئة الكافية لشاغر الميزانية .
رابعاً – المنع البات والفوري لتداول العملات من النقد الأجنبي في ما يعرف بالسوق الموازي ، والالتزام فقط بأسعار الصرف الرسمية في البيع والشراء على منشور بنك السودان وعبر البنوك والصرافات المعتمدة .
خامساً – تعطيل نظام الحكم الولائي وإعادة الحكومة المركزية والعمل بنظام المديريات ، الأمر الذي من شأنه تقليص الفرصة أمام الدعاوى الانفصالية وتعميق الحدود بين الولايات بما يثير النعرات العرقية ويمهد للانفصال .
سادساً – رد كافة فائض المخصصات تبعاً للإجراءات السابقة إلى وزارة المالية مع إصدار منشور رسمي ملزم من رئاسة مجلس الوزراء بجدولة تذويبها في هيئة سيولة نقدية وتوجيه عموم الميزانية لتأهيل المرافق حيوية والمشروعات القائمة بالفعل دون فتح الميزانية لأية مشروعات جديدة إلا على سبيل الاستثمار الأجنبي .
سابعاً – التفعيل الفوري لقانون الثراء الحرام وتشكيل لجان قانونية من نقابة المحامين ممن هم غير المنتمين إلى مؤسسات حكومية لتقصي الحقائق حول أعمال الفساد في الإدارة والمال العام ، وذلك بحسب كل وحدة من الوحدات الإدارية ، ومحاسبة المفسدين قضائياً بإشراف هيئة برلمانية تشكل لهذا الغرض .     
ثامناً – تثبيت التكلفة الحقيقة على المحروقات والمواد البترولية بصورة مجردة خالية من إضافة أي رسوم تكلفة انتاج على المستهلك ..
تاسعاً – إعادة صياغة عقود شركات الكهرباء والمياه والطرق والاتصالات بما يضمن تحقيق الالتزام بأعلى وأدق معايير الجودة واستدامة الخدمة.
عاشراً – تضييق نطاق الاستيعاب الوظيفي بكافة الوظائف الحكومية الأكثر استهلاكاً للموارد وأقل انتاجية فعلياً داخل جميع مؤسسات الدولة ومرافقها .
الحادي عشر – تشكيل غرفة خاصة برجال الأعمال والرأسمالية الوطنية تتبع لرئاسة مجلس الوزراء بغرض رسم سياسات الدعم النقدي والعيني ووسائله على أوجه فاقد الميزانية العامة بصدد الاحتياجات الاقتصادية الراهنة وبحسب الأولويات الحيوية .

تلك رؤية لحلول على أصول المشكلات دون تفصيلاتها .. فلعل القائم بالأمر إذا أخذ بكل ما هو ممكن من رؤى استراتيجية اصلاحية ومن حيث أتت أن يصير بطلاً قومياً  بقيادة حملة شاملة للإصلاح وضرب الفساد واسترداد كرامة الوطن والمواطنين وتوسيد الأمور إلى أهلها .. كل ذلك قبل أن يسبق عليه الكتاب فيصير في عداد الهالكين بين يدى ذنب عظيم .. اللهم فاشهد . 

العهدة الجسيمة .. د. وائل أحمد خليل الكردي

العهدة الجسيمة ..

د. وائل أحمد خليل الكردي    
wailahkhkordi@gmail.com

كتب السير (جيمس روبرتسون) في تقديمه لكتاب (العهدة الجسيمة) A GREAT TRUSTEESHIP  الذي ألفه بالإنكليزية (محمد النجومي) ونشر في لندن 1957م .. ما يلي نصه :
"لقد كانت غاية البريطانيين الذين خدموا في السودان – أولاً وقبل كل شيئ – إنشاء دولة حديثة في تلك البلاد ، والتي كانت حين وفدوا إليها خالية من كافة المقومات الأساسية اللازمة لأي أمة من الأمم باستثناء الأناس الذين يتسمون بالجرأة وشدة البأس. فلم يكن هنالك اتصالات ولا مدارس ولا مؤسسات تعليمية ، وكذا الحال في الصحة والزراعة وحتى الري كان يعتمد في استجلابه على العجلات والشواديف Shadufs ... وبعد أن تم إرساء هذه الأصول وتوطدت اركان الإدارة البريطانية شرعت تدريجياً في إلحاق الكوادر السودانية للمشاركة في حكم أراضيهم . وعندما شارف حكم هذه الإدارة على الانتهاء كان الانجاز البارز هو رؤية السودانيين وقد أصبحوا يملكون حق تقرير مصيرهم وأنهم لن يعتمدوا منذ الآن فصاعداً على أي حكومة منتدبة من جانب قوى أجنبية "  انتهى كلام سير (روبرتسون) ..
والآن .. وقد استلمنا نحن هذه العهدة الجسيمة ، وجاء هذا الكتاب لكي يشهد على تاريخ سلف وحتى نتبين من الوقوف في كل ذكرى للاستقلال على منجزات هذا التاريخ في زمانه وكيف أصبحنا نحن منه الآن في زماننا .. هل بالفعل مضينا قدماً نحو صياغة مجتمع حضاري واع متقدم في كافة جوانبه العمرانية والإنسانية ، أم أننا مازلنا نتراجع القهقرى كل سنة خطوة إلى الوراء أو خطوتين .. لقد وضع البريطانيون في السودان قالباً حضارياً صنعوه هم هناك في بريطانيا العظمى على نحو ما فعلوا مع بلاد الهند وأغلب المستعمرات تحت التاج البريطاني .. لذلك لم تهضمه أجيال من أبناء السودانيين أتت من بعدهم .. فلقد أتى البريطانيون إلى مستعمراتهم بالمبدأ الفلسفي الأساسي في كمبريدج Cambridge آنذاك وهو (من أعلى إلى أسفل) أي تصميم كل منجزات الحضارة لدى الملكية البريطانية ومن ثم إنزالها جاهزة على ما دونها وما تحت ايديها .. والآن وبعدما تم الإنزال على أرضنا .. فلقد رفضنا الصورة الاستعمارية لهذه المنجزات وكان هذا أمر طبيعي وضروري من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية .. ولكن على الجانب المقابل فقد أصبح لدينا من العمران والبنيات التحتية والنظم العامة ونظم الخدمة المدنية والعسكرية وقوانين الإدارة والمحاسبة أمراً واقعاً وصورة أنجزها هؤلاء .. فهل نضيعها بدعوى أننا لسنا نحن من أقامها ولكي نبدأ مرة أخرى من أسفل إلى أعلى – على نحو ما يقول أصحاب مدرسة اكسفورد Oxford الفلسفية – فنجتهد في بناء نموذجنا الخاص منذ أول السلم الحضاري .. حتى إذا ما خرجت رؤوسنا بعد حين من الدهر لم نجد من ينتظرنا في محطة الأمم بل أن الكل قد رحلوا إلى القرون البعيدة .. أم أن الأفضل لهم ولنا ولأجيال تأتي من بعدنا أن نعتبر تلك العهدة الجسيمة منصة انطلاق يسرها لنا الله طيبة خضرة على ايدي نفر من عباده وإن كانوا على غير ملتنا ووطننا .. لقد تركت لنا تلك العهدة في أول يوم من العام 1956م لكي تكون عتبة أولى على درج طويل صاعد دائماً نحو المستقبل ولا ينتظر أحداً .. فالأمة الفطنة هي ما حافظت على عمران نمى على أرضها ولو كانت صنيعة ليد الغريب ، ثم تعاهدوها بالرعاية والإضافة إليها عمراناً جديداً فالله ربنا قال (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) ..

إن ذكرى الاستقلال في عهدها الماسي الراهن تمر في كل سنة عقب سنة عرضاً لصور من ماضي تلك العهدة  وتكراراً لأناشيد قد مات مؤلفيها ومنشديها منذ عقود .. ثم ينتهي يوم الذكرى ليبقى مجرد ذكرى .. ثم ليتكرر نفس الشيء السنوات التاليات .. حتى بات يظن من دان منا لوطنه أننا صرنا أمة قد خلت ولم يعد لنا هاهنا حاضر ومستقبل .. ولعلى أحسب أن الاحتفال الثر المثمر بذكرى استقلال بلادنا يكون – أضعف الإيمان - بعقد مؤتمر في نفس يومه يسمى (المؤتمر البرلماني) الأول أو الثاني أو السابع .. وهكذا ، تقدم فيه أطروحات المفكرين ورؤاهم ومداولاتهم المدونة حول " ماذا فعلنا في تلك العهدة الجسيمة منذ استلمناها ؟ " و" ماذا نفعل فيها الآن ؟ " و" ماذا يبدو لنا أن نفعل فيها عند شروق شمس يوم جديد وحين نترك يومنا هذا أمساً وراء ظهورنا ؟ " .. الأمر مطروح للتدافع .. ولعله نداء قبل أن يصبح المنادي هو أيضاً يوماً ما ذكرى منسية ..