‏إظهار الرسائل ذات التسميات ولله حسابات أخرى. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ولله حسابات أخرى. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 29 ديسمبر 2016

ولله حسابات أخرى ..

د. وائل أحمد خليل الكردي    
wailahkhkordi@gmail.com
جاء في آثار الأسطورة الإغريقية القديمة أن البطل الأولمبي (سيزيف) قد حكمت عليه محكمة عادلة بعقوبة أبدية أن يظل مدى ما بقي من حياته يحمل صخرة عظيمة ويصعد بها نحو قمة الجبل العالي .. فإذا ما بلغها سقطت الصخرة إلى الأسفل فينزل ويصعد بها تارة أخرى .. وهكذا.

هذا هو ظاهر القصة ..ولكن علماء القرن العشرين حملوا على هذا الظاهر من الأسطورة تأويلاً آخر .. فقالوا أن (سيزيف) هو العالم الباحث في شؤون الكون الذي كلما صعد قمة في علمه وأنجز كشفاً لم تسقط الصخرة منه نحو الأسفل بل صارت تلك القمة وادياً لجبل آخر شاهق في الأفق .. فيبدأ الصعود مرة أخرى نحو القمة الجديدة حتى إذا بلغها رأى ورائها قمة ً أعلى منها ، فيصعد نحوها حتماً .. ثم يستمر الأمر .. وهكذا كان للعلماء حسابات أخرى ، هي أن جهلنا هو الذي يتسع وليس علمنا .. فكلما نما لدينا علمُ فتح أمامنا آفاق أخرى لم نكن نتوقعها ومساحات مد البصر بلا حد أو سياج ، وصدق ربنا العظيم بأننا لم نؤتى من العلم إلا القليل ..
وكذلك ، لله حسابات أخرى .. حسابات في أحوال خلقه لا نعلم بواطنها وما خفي منها .. فكم من إنسان يراه أهل الحق أنه على باطل .. حتى يمسح برأس اليتيم فيصير في رحمة الله ودونه أولئك من حكموا عليه بظاهر الحال .. وكم من إنسان بدا للناس جباراً ، صخاباً ، عنيفاً ، جذاباً للنقمة ، يخشى بأسه كل قاصٍ وداني .. حتى يبكي في جوف ليلٍ أبكمٍ بكية لا تراه فيها عين أو يحس به قلب ، فيقع في عفو الله عما قدم وأخر .. ولربما مرت على ناظرينا استهجاناً حياة إنسان قطعها في لهو ولعب وطرب وسهر بالليل وغياب بالنهار ، فحكمنا بضياعه .. ثم ثبت عقب موته كم أعفى وأغنى من أعاسر أطفال بني الستر ، حتى كان شأنه عند ربنا شأن آخر ، ونعيم ، ورياض قبر ، وأنس وحشة ونور ظلمة .. وكم من أشعث أغبر ، قليل عبادة ، كثير صمت .. محتقر بين الأنام .. يمر ولا يكاد يترك أثراً ، وأقصى ما قدر عليه إماطة أذىً صغير عن الطريق قد لا يرى تحت أقدام المارة عليه ، فيبلغ من عظم هذا المعروف في الميزان يوم ذاك ما لا يرجحه إحسان كل المارة على الطريق بطوله منذ أن كان وإلى أن يصير .. وكم من إنسان ملئ ماله الأرض إلى أطرافها ، حتى إذا ظن أصحاب الحاجات والعوز أنه قد استنفذ بعظم ماله حقه لدى الله في الدنيا والآخرة معاً ولم يبقى له من بعد ذلك من شيء .. جاء في الدار الآخرة إلى منقلب أسمى ثراءً وأغزر مالاً وأعز نفراً بما قدمت يداه وخفي عنا ولم ندري نحن عنه شيئاً إلا ظاهر من الحياة يلقي بظل رطب ولكنه لا يكشف عما عضه السوس من لحاء الشجر .. وكم ندعو فيستجاب لنا في غير ما دعونا لأن لله حسابات أخرى لما فيه الخير والرزق ..

وكذا كان لله دوماً حسابات أخرى لمن أتاه بقلب سليم .. فذلك هو العيار ولا يملك قياسه إلا الله .. فحسبنا ألا نتعجل الأحكام على الناس بالظن ظاهراً فهو لن يغني من الحق عند ربنا شيئاً .. فنحن إذ نعامل الناس بحساب ما حيناً ، يكون لله   فيهم حسابات أخرى أحياناً كثيرة ..